Site icon IMLebanon

إقرار النسبيّة: غداً يومٌ آخر

يسير قانون الانتخاب إلى المرحلة النهائية في صيغته غير المعدّلة إلّا من بعض جوائز الترضية التي لا تمسّ جوهرَه. وقد باتت الجلسة النيابية المقرّرة في 12 الجاري في حكم المؤجّلة، على أن تجتمع الحكومة في حال الاتفاق على الصيغة النهائية للقانون وتُقرّها وتحيلها إلى المجلس النيابي ليقِرّها بدوره مقرونةً بتمديد الولاية النيابية سنةً قبل انتهائها في 19 الجاري.

وباتَ في حكمِ المسلَّم به أنّ ما يقوم به الوزير جبران باسيل لا يعدو كونه رفعاً للسقف في اللحظات الأخيرة، لتحقيق بعض الإنجازات، لكن ذلك لن يحجب الأنظار عن انّ القانون سيقرّ بلا التعديلات الجوهرية او الضوابط التي وضعها باسيل، ولا سيّما منها المتعلقة بالصوت التفضيلي الطائفي، ولا ايضاً بتعديل اتفاق الطائف في ما يتعلق بتثبيت المناصفة.

وفي المعلومات أنّ الجلسة التي جمعت النائب جورج عدوان بباسيل تركّزت حول تذليل المطلب الأخير لباسيل والمتمثل باعتماد الصوت التفضيلي في القضاء بدلاً من الدائرة الواحدة، وهو يريد هذه الصيغة لضمان فوز مؤكّد في البترون، لأنّ صيغة الصوت التفضيلي تهدّد انتخابه، لأنّها تتيح التأثيرَ على أصواته، إذا ما فتحت الدائرة بأقضيتها الاربعة.

وتضيف المعلومات أنّ الفرز في المواقف بات كالآتي: «القوات» و«الاشتراكي» و«حزب الله» وحركة «أمل» يؤيّدون التفضيلي على مستوى الدائرة، فيما يتمسّك باسيل والرئيس سعد الحريري بالتفضيلي داخل القضاء، لضروراتٍ تتعلق بالفوز بالمقعدين السنّيَين في صيدا. وتطالب «القوات اللبنانية» بتحديد جلسة للحكومة لعرضِ القانون على التصويت بالنسبة الى النقطة الاخيرة الخلافية المتبقية.

وقد لمسَ من التقوا الرئيس ميشال عون في الايام الماضية تسليماً بواقع انّ القانون اصبح في نهاياته، حيث أوحى أنّ القانون سيقَرّ، وأنّ ما يجري لا يعدو كونه محاولة لتحقيق مطالب تحصّن قانون الانتخاب، لكنّ ذلك لن يعني أنّ سيناريو الوصول الى الفراغ ما زال قائماً، بل يؤكد ارتفاع فرصِ إقرار القانون الجديد ضمن المهلة الدستورية المتبقية.

عملياً بات القانون في حكمِ المتفَق عليه، ولم يعد موجوداً في ميدان الاعتراض إلّا باسيل، الذي يسعى الى تسجيل نقطة اخيرة، لا تتوافر لها فرصٌ كبيرة للنجاح. فباسيل بات وحيداً(جزء من اسباب تأييد الحريري له يعود الى عدم الرغبة بالاصطدام مع عون)، وموقفُه هو الذي يؤخّر ولادة القانون، في حين أنّ «القوات اللبنانية» تطلب الاستعجالَ والحسم، ولا تسير بالمطلب الأخير، لمعرفتها أنّه لن يتحقّق، ولخشيتها من أن يؤدي التعنّت لأسباب تعبوية، الى الفراغ فالفوضى التي لن تكون في مصلحة أيّ من الأطراف.

في المحصّلة، تستعدّ جميع القوى السياسية للتعامل مع القانون النسبي، كحقيقة قائمة، وبغَضّ النظر عن طول المسافة التي تبعد عن إجراء الانتخابات، فإنّ هذه القوى دخلت منذ الآن في عصر النسبية، التي ستعني انّ يوماً آخر قد بدأ، لا يعرف احد نتائجَه، وحجمَ التغييرات التي سيؤدي اليها، حيث إنّ فئة سياسية لم تتمكّن منذ الاستقلال من الدخول الى الندوة النيابية، تستعدّ لخوض التجربة، في حين انّ النادي السياسي الحالي، سيعيش هو الآخر تجربةً جديدة، سواء في التحالفات او في المعارك الانتخابية، التي ستُغيّر النسبية من قواعدها جذرياً، فما كان يصحّ مِن تحالفات او معارك وفق القانون الأكثري، لم يعد قائماً الآن، إذ إنّ للتحالفات قواعدَها الجديدة، ولتشكيل اللوائح قواعدها الجديدة، وللعلاقة بين المتحالفين داخل اللائحة الواحدة توازناتها، كما للبرامج السياسية للّوائح المتقابلة نمط مختلف، كما ستشهد الحياة السياسية ولادةَ لوائح لا خطاب سياسياً لها،

بل برامج إنمائية واجتماعية واقتصادية، كذلك ستختبر الطبقة السياسية نفسَها لجهة التمسك بمكاسبها في احتكار التمثيل النيابي الذي حافظت عليه في عصر القانون الاكثري الذي أنتج منذ الاستقلال نماذج من الزعامات التقليدية والحزبية والطائفية والعائلية، استنسَخت نفسَها في كلّ اربع سنوات بطريقة متشابهة، في حين ستكون اليوم في ميدان سباق مفتوح للاعبين جدد اكثر حيويةً وأكثر قدرة على فهمِ الشأن العام وممارسته، اتّصالاً بالقضايا التي تهمّ المواطن وتستجيب لتطلعاته.