على ما يبدو، استفاق تيار المستقبل من «سكرة» معراب، وبدأ التعاطي معها بعقل بارد لاستيعاب تداعيات «الضربة» المباغتة لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، خصوصاً بعدما لمس أن عقبات كثيرة تعترض طريق العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، في مقدمها «موقف حلفائه في فريق الثامن من آذار».
هكذا، بحسب مصادر مطلعة داخل التيار الأزرق، تدرّج الموقف المستقبلي من شعور بالصدمة والغضب الشديد، إلى مقاربة «المصالحة المسيحية» بإيجابية، وصولاً إلى درس الخطوات المقبلة برويّة. ومن الواضح أن الرئيس سعد الحريري بدأ بتطبيق «الخطّة أ»، عبر فرملة اندفاعة جعجع وتحويل مبادرته النارية إلى فكرة «مجمّدة»، بعدما أكّد مضيّه في ترشيح النائب سليمان فرنجية في وجه «مرشّح معراب» الجديد. وتؤكّد المصادر أن رئيس تيار المستقبل «نجح في تسديد ضربة لهذه المبادرة التي لن تلد رئيساً في جلسة 8 شباط، وأجهضها بمسارعته للاتصال بفرنجية وتكرار دعمه له، فور انتهاء مكالمته الأخيرة مع عون».
بعد أسبوع على «واقعة معراب»، يتعاطى معظم المستقبليين مع ترشيح زعيم الرابية كما لو أنه نسخة مكرّرة عن ترشيح زعيم بنشعي. وبالتالي، «إن لم يُنتخب عون في الجلسة المقبلة، فسيوضع ترشيحه على الرف كما حصل مع ترشيح فرنجية قبل طرح اسم عون وخلط الأوراق». ويذكّر المستقبليون بالأجواء التي سادت في الأوساط السياسية بعد ترشيح زعيم المردة، ومفادها أن «عدم انتخاب فرنجية رئيساً قبل رأس السنة سيبعّد المسافة بينه وبين قصر بعبدا. وهذا ما سيحصل اليوم مع الجنرال إذا لم يُتَّفَق عليه قبل الجلسة المقبلة».
إذاً، بحسب المصادر نفسها، أعاد الحريري الكرة التي قذفها جعجع في ملعبه إلى معراب مجدداً، وباتت الأخيرة أمام اختبار جديد يقوم على «كيفية إدارة المرحلة المقبلة بالتنسيق مع العونيين». وهي مرحلة تتطلّب «مبادرات جديدة وزيارات يقوم بها موفدو عون وجعجع إلى المعنيين في فريقي الثامن والرابع عشر من آذار»، علماً أنها «لن تفلح» على حدّ تأكيد الأوساط المستقبلية، ولا سيما في ظل استمرار تدهور العلاقة بين المستقبل والقوات. وقد وصلت إلى جعجع رسائل الانزعاج الحريري عبر أكثر من قناة سياسية وإعلامية مقرّبة من «الشيخ سعد».
في اختصار، ورغم عدم وضوح الصورة، بدأت أجواء الارتياح تسود محل الشعور بالغضب في تيار المستقبل. ومنبع الارتياح «الحلف الرباعي الجديد في وجه عون وجعجع». وهذا «الحلف» يضم «إلى جانب فرنجية والحريري والنائب وليد جنبلاط، الرئيس نبيه برّي الذي يؤكّد أمام كل من يلتقيه دعمه لرئيس تيار المردة على حساب عون». بحسبة بسيطة، يظهر أن «فرنجية يتقدّم على عون بضمان تأييد كتلة شيعية ودرزية وسنية وبعض المسيحيين، فيما لا يجد عون الدعم الكافي حتى من حليفه الأساسي حزب الله». وفي وقت تجهد فيه دوائر المستقبل للتأكيد، مراراً وتكراراً، أن لا غطاء سعودياً لـ «المبادرة المعرابية»، تعتبر المصادر، في سياق «المنطق التحليلي» كما ارتأت وصفه، أن «ترشيح فرنجية قد يأخذ دفعاً بفعل التطورات الجارية على الساحة الإقليمية والدولية، وبالتالي قد يتوافر شيء من الضوء الأخضر لانتخابه، على عكس عون الذي يواجه الجميع، بمن فيهم فريقه السياسي».