سيأتي يوم تعترف هيئة التنسيق النقابية أنها لم تستطع قراءة خفايا المناورات التي رافقت مناقشات مشروع سلسلة الرواتب. وستعترف مكوناتها أنها ضيّعت فرصاً ثمينة كان يمكن أن تستثمرها في بناء حركة نقابية تعليمية فاعلة، قادرة على الضغط، ليس في ما يتعلق بالسلسلة فحسب، بل في تعزيز التعليم الرسمي ومحاربة الفساد، ورفع شأن الشهادة الرسمية، كما في تعزيز دور العمل النقابي في القطاع العام. لكن حين تعترف الهيئة بإخفاقاتها وببعض نجاحاتها يكون الأوان قد فات، ما لم تضع اليوم قبل الغد، جسمها على مشرحة النقد وتقرأ حسابات الخسائر والارباح وتقيس جدوى تحركاتها، فضلاً عن تقويم الإعوجاج الذي يرافق العلاقات بين مكوناتها، الى تدخل القوى السياسية في تركيبتها، وهي التي باتت تقرر مصيرها.
وحين يوجه البعض انتقادات الى هيئة التنسيق بأنها صارت كالاتحاد العمالي العام وبأن تحركها يحمل الكثير من الالتباسات وعدم الوضوح والاستنساب في التعامل مع ملفات أساسية في التعليم والإدارة، لا يأتي ذلك من العدم، على ما نشهده من تفكك وعدم قدرة على اتخاذ القرارات، أو السير بها الى النهاية. وها هي الهيئة تتحرك على خط واحد وبمطلب واحد هو السلسلة، علماً انها تعرف وهي تجول على القيادات السياسية أن مجلس النواب لن يقر سلسلة الرواتب ضمن تشريع الضرورة وفي جلساته المرتبطة بها، فما الذي يجعلها تصر على إدراج مشروعها ضمن جدول الأعمال وهي غير قادرة على الضغط وليس لديها الوسائل لاستقطاب الرأي العام تأييداً لمطلبها؟ ونعلم أيضاً أن معظم مكونات هيئة التنسيق اليوم ترتبط بالقوى السياسية الممثلة في الحكم، والتي تتحكم في النهاية بحدود تحركاتها وبالسقف الذي تريده لتصعيدها، ومن ضمنه تدخل الحسابات السياسية في ملفات أخرى تحسمها القوى على قاعدة التسويات والمحاصصة.
ولعل هيئة التنسيق، كحركة نقابية، تراكم خسائرها، ما لم تنظر الى ما آلت اليه علاقتها مع الرأي العام والناس والأهالي، وهم الذين يشكلون الكتلة الضاغطة باحتضانهم الهيئة ومطالبها. ونشهد اليوم أن هناك قطيعة وهوة ليس من السهل ردمها، طالما تغرّد الهيئة وحيدة ولا تكترث أن هناك كتلة لها رأيها، وإن كانت مطالب الأساتذة والموظفين محقة.
ونسأل، ما الذي ستفعله هيئة التنسيق إذا لم يدرج مشروع السلسلة على جدول اعمال الجلسة التشريعية؟ وأيضاً ماذا تستطيع أن تفعل إذا قرر مجلس النواب ترحيل السلسلة وربما تفجيرها والاستعاضة عنها بتقدمات أو غلاء معيشة؟ الهيئة مطالبة بأن ترد على كل الاحتمالات، وهي تعرف أن وضع البلد والمشكلة المالية ذريعة لعدم إقرار السلسلة. فإن كان لديها ما تقوله في برنامج مطالبها الطويل وطريقة تصعيدها، لتصارح الناس قبل أن يتفرق الرفاق وتفجّر الهيئة!