IMLebanon

أفرجت عن الرئاسة .. متى تفرج عن لبنان؟

ان يأتي وزير الخارجية الايراني محمّد جواد ظريف الى بيروت، للتهنئة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، خبر كان يمكن ان يثير الارتياح لو ترافقت الزيارة مع تغيير في نظرة ايران الى لبنان بصفة كونه دولة عربية سيّدة مستقلة. لا معنى لأي زيارة يقوم بها مسؤول إيراني من أي مستوى كان للبنان من دون إعادة نظر إيرانية في سياسة لم تجلب سوى الويلات على البلد الذي عانى طويلا من السلاح الفلسطيني وسلاح الميليشيات المتنوعة المشارب والذي لا يزال يعاني من السلاح الايراني، أي سلاح «حزب الله».

يظلّ السؤال هل في استطاعة ايران ان تكون دولة طبيعية وان تنطلق من الافراج عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية كي تعيد النظر في تعاطيها مع البلد ونظرتها اليه؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، مع ان الميل الطبيعي هو الى التشاؤم اكثر من ايّ شيء آخر. يعود الميل الى التشاؤم الى طبيعة النظام الايراني

القائمة على تصدير ازماته الداخلية الى خارج اوّلا ثمّ الى اعتقاده انّ ايران قوة عظمى تستطيع لعب دور مهيمن في المنطقة. يدلّ على ذلك التورط الايراني في كلّ ما من شأنه اثارة الغرائز المذهبية في كلّ دولة عربية من دول الخليج، إضافة الى دول المشرق العربي. ماذا فعلت ايران وما زالت تفعل في البحرين؟ ماذا فعلت في الكويت؟ ماذا تفعل في اليمن؟ ماذا تفعل في العراق؟ ماذا تفعل في سوريا؟ ماذا تفعل في لبنان؟ من تشجّع وتدعم في فلسطين؟

اذا اخذنا كلّ بلد من هذه البلدان، نجد ان التدخل الايراني يلعب دوره في تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية وخلق بؤر للتوتر في حين انّه كان في استطاعة ايران منذ العام 1979، تاريخ نجاح الثورة على الشاه، التصرف بشكل مختلف يساعد في تكريس الاستقرار في المنطقة كلّها ونشر الازدهار فيها.

مؤسف ان شيئا من ذلك لم يحدث. على العكس من ذلك، استثمرت ايران في كلّ ما من شأنه تخويف جيرانها وحتّى الدول البعيدة عنها مثل لبنان. لا يحتاج لبنان الى دعم من دولة يفتخر المسؤولون فيها بانّهم صاروا يسيطرون على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ما هذه السيطرة التي لم تؤد سوى الى خراب بغداد ودمشق بعد تغيير طبيعة المدينتين والى حصار صنعاء وجعل بيروت تعاني يوميا من توقف أي مشروع انمائي فيها منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005. لم يعد سرّا من اغتال رفيق الحريري ومن نفّذ الاغتيالات الأخرى بهدف اخضاع لبنان ونقله من الوصاية السورية ـ الايرانية الى الوصاية الايرانية.

تشكّل زيارة ظريف لبيروت فرصة كي تثبت ايران انّ لديها ما تقدّمه للبنان باستثناء المتاجرة به من أجل عقد صفقات مع «الشيطان الأكبر» الأميركي ولاحقا مع «الشيطان الأصغر» الإسرائيلي.

كانت ورقة رئاسة الجمهورية من الاوراق التي استخدمتها ايران طوال سنتين ونصف السنة من اجل القول انّها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في أي بلد من بلدان المنطقة، خصوصا في لبنان. اكثر من ذلك، ارادت القول انّ لبنان ليس سوى محميّة إيرانية وانّها قادرة على التفاوض مع الولايات المتحدة في شأنه.

حسنا، أفرجت ايران عن رئاسة الجمهورية لاسباب تعود الى تطور العلاقة بينها وبين «الشيطان الاكبر». يبدو «الشيطان الأكبر» مستعدا للسماح لايران بممارسة كلّ نشاطاتها العدوانية في المنطقة حماية للاتفاق النووي الذي يعتبره باراك أوباما الإنجاز الوحيد لادارته في مجال السياسة الخارجية.

في حلب تتحرّك الميليشيات الايرانية على الأرض بغطاء جوي روسي، فيما تتحرّك الميليشيات التابعة لإيران في العراق، المسمّاة «الحشد الشعبي» بغطاء جوّي أميركي. ثمّ يأتي الوزير ظريف الى بيروت لاقناع اللبنانيين ان بلدهم بلد «ممانعة» و»مقاومة» وان الفضل في ذلك يعود الى الدعم الايراني لميليشيا مذهبية اخذت لبنان رهينة.

خلاصة الامر ان ايران دخلت في شهر عسل مع «الشيطان الأكبر» وهي تستقوي به حاليا. يمكن ان تتغيّر الامور قليلا بعد خروج باراك أوباما من البيت الأبيض في غضون شهرين. لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به انّ ظريف جاء الى لبنان من موقع قوّة عائد أساسا الى الرغبة الاميركية في عدم ازعاج ايران. هل يكمل معروفه مع لبنان الذي كان دائما صديقا للولايات المتحدة والسياسة الغربية فيفرج عنه مثلما افرج عن الرئاسة؟

مثل هذا التطور على صعيد العلاقة مع لبنان، حيث إصرار شديد من رئيس الجمهورية ومن رئيس الوزراء المكلّف على العلاقات مع الدول العربية الأخرى، خصوصا تلك التي يتشكل منها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، سيساهم الى حدّ كبير في تحسين صورة ايران لدى اللبنانيين عموما.

بكلام أوضح، ان مثل هذا الافراج الايراني عن لبنان الذي يمكن ان يبدأ بسحب مقاتلي «حزب الله» من الأراضي السورية ووقف الحزب تهديده للعرب الذين يزورون لبنان، سيشكل افضل هدية للعهد الجديد. سيظهر ذلك قبل كلّ شيء ان ايران لا تستخدم علاقتها الطيّبة مع الولايات المتحدة والتي توجت بالغطاء الجوي الاميركي لـ»الحشد الشعبي» في معركة الموصل، للتدمير فقط. على العكس من ذلك، ان الافراج عن لبنان، في انتظار اليوم الذي لا يعود فيه سلاح غير شرعي على أراضيه، اكان لـ»حزب الله» او غير «حزب الله» من منظمات فلسطينية تابعة للأجهزة السورية، سيصبّ في نهاية المطاف في مصلحة ايران وفي مصلحة انصرافها الى الاهتمام بالايرانيين ورفاههم. سيكون ذلك دليلا على انّها دولة طبيعية تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين وليست طرفا في كلّ النزاعات الإقليمية من دون استثناء.