بعد انتصار الجيش اللبناني والمقاومة على الإرهاب في معارك الجرود على الحدود اللبنانية- السورية، خشي المراقبون السياسيون من قيام التنظيمات الإرهابية بردّات فعل إنتقامية عن طريق خلاياها النائمة في لبنان ولا سيما «الذئاب المنفردة» التي وعد قائد الجيش العماد جوزف عون من القضاء عليها بشكل نهائي. ومن ضمن هذه الخشية أصدرت السفارة الأميركية في بيروت تحذيراً منعت من خلاله رعاياها من زيارة بعض الأماكن المهدّدة بأعمال إرهابية ومنها كازينو لبنان في جونية، ثمّ تلتها السفارة الكندية بدعوة رعاياها عبر رسالة إلكترونية إلى وجوب البقاء يقظين لأنّ الوضع الأمني في لبنان لا يمكن التنبؤ به وهناك تهديد مستمر للهجمات الإرهابية.
هذا الوضع خلق خوفاً في نفوس اللبنانيين أيضاً، على ما ذكرت أوساط سياسية مواكبة، رغم انشغالهم ببدء العام الدراسي وبتأمين الأقساط المدرسية وما الى ذلك. وقالت بأنّ السفارات الأجنبية في لبنان غالباً ما تحصل على المعلومات من جهات موثوقة، إلاّ أنّ ذكرها لـ «كازينو لبنان» تحديداً في بياناتها التحذيرية وقد ردّ عليها رئيس مجلس الكازينو بأنّها إجراءات روتينية، يجعل الأمر محصوراً بطبقة معينة من الناس، ولا يشمل الجميع.
علماً أنّ التفجيرات الإرهابية التي طالت مناطق عدّة في لبنان، في أوقات سابقة، قد استهدفت الأحياء الشعبية، الأكثر فقراً، التي تعجّ بالمواطنين. لكن هذا الأمر لا ينفي ولا يؤكّد إذا ما كانت الأهداف الجديدة للإرهابيين ستضرب الأماكن التي يرتادها الأغنياء للتسلية والترفيه، وبرأي الاوساط انه ليس من داعٍ لذكر الأماكن المهدّدة أو التي قد تتعرّض للتفجيرات الإنتحارية، لأنّ هذه الأخيرة قد تحصل في الأماكن التي يتمكّن الإرهابيون من الوصول اليها.
وفي ظلّ هذه المخاوف، طمأنت الاوساط الى أنّ الأجهزة الأمنية تتحسّب من التفجيرات الإرهابية أيضاً، على غرار السفارات الأجنبية، غير أنّ الأوساط نفسها، تستبعد حصول أي تفجيرات إنتحارية يقوم بها عناصر التنظيمات، خصوصا ان الدولة اللبنانية أمنت مغادرتهم أراضيها الحدودية مع عائلاتهم من دون أن يتم الإنتقام منهم، على ما كان يجد البعض أنّه يجب أن يحصل، لا سيما أهالي القاع، وأهالي العسكريين الشهداء.
وشدّدت الاوساط على أنّ بقاء عناصر التنظيمات الإرهابية على قيد الحياة وعودتهم الى المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا، قد أعطاهم فرصة العيش أولاً، وفرصة التخلّي عمّا يقومون به من قتل وعنف في دول المنطقة ثانياً، ما قد يجعلهم يعيدون النظر بإعمالهم وممارساتهم، ويثنيهم عن الإنتقام من الأجهزة اللبنانية ورجال المقاومة. ولأنّ الإحتمالات كافة تبقى قائمة، فإنّ أحداً في الداخل لا يستهين بما يُمكن أن يصدر عن الخلايا النائمة. وكون وجود هذه الأخيرة يُشكّل خطراً كبيراً على الوضع الأمني في البلاد أكّدت الأوساط بأنّه لن يتمّ تركها الى أن تُخطّط وتُنفّذ بل ستلاحق بشكل مفاجىء.
وأكّدت الاوساط بأنّ عملية التطهير الداخلية من الإرهابيين لن يتمّ الحديث عنها ولا عن تفاصيلها قبل أن تُصبح من الماضي، وهذا ما سيجعلها تنجح بشكل كبير. ولهذا فعلى كلّ التكفيريين ليس الإختباء في المخيمات الفلسطينية والسورية بل مغادرة البلاد والإلتحاق بالمجموعات التي كانت تقيم في الجرود، لأنّ القوى الأمنية ستلقي القبض عليهم أينما كانوا. ولعلّ الفرصة سانحة اليوم لقيامهم بمثل هذه الخطوة إذا ما كانوا يريدون المحافظة على سلامتهم، لا سيما وأنّ المعلومات تشير بشكل مؤكّد الى أنّ زمن التنظيمات الإرهابية قد أفل، والفطن منهم هو الذي يعود الى رشده، فليقي السلاح ويستعيد حياته الطبيعية.
ففي لبنان لم يعد لهذه التنظيمات أي حماية أو أي ظهر لها، حتى أنّ المواقع التي كانت تحتمي فيها في الجرود قد غادرت كلياً. لهذا تجد الاوساط أنّه سيكون من الأفضل لها التراجع الى الوراء من دون القيام بأي عمليات إنتحارية لأنّها لن تؤدّي الى أي شيء، سوى لوقوع المزيد من الضحايا الأبرياء ولتوتير الوضع الأمني في البلاد لمدة ساعات ليس أكثر. أمّأ مخططها بالقضاء على المقاومة أو السيطرة على بعض المناطق اللبنانية فيبقى في إطار الحلم الذي لن يتحقّق، لهذا عليها عدم الهدر المزيد من الوقت هباء.
ولفتت الاوساط الى أنّ حصول مثل هذه الإعتداءات في الوقت الراهن لن يكون لها أي تأثير إيجابي على مستقبل التنظيمات الإرهابية، فالتسوية التي تحدث حالياً بين الدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، على ما كشفت الأوساط، الى جانب بعض الدول الإقليمية لن تُبقي الكرة في يد تنظيم «داعش» أو سواه من التنظيمات الإرهابية. ففور صدور القرار السياسي الدولي بالتخلّي عنه وعن أي دور مستقبلي له في المنطقة سيتمّ التخلّص منه ومن عناصره ليلتحقّ بمن تبقّى من عناصر «القاعدة» الذين باتوا من آثار الماضي.
فالحلّ السياسي للأزمة السورية بات قريباً، وسيتمّ إنهاء دور كلّ الذين لن تحتاج اليهم الدول المعنية في المستقبل، وعلى رأسهم التنظيمات الإرهابية التي، وإن نجحت في إثارة الرعب في بعض دول المنطقة والدول الأوروبية، إلاّ أنّها فشلت في تحقيق المهمة التي خُلقت من أجلها. أمّا في حال قرّرت أعداد من التنظيمات الإرهابية الإستمرار في الجهاد، الذي لن يكون مبرّراً بحسب وجهة نظر الأوساط، فإنّه عليها البقاء في المناطق التي سيطرت عليها داخل سوريا وعدم السعي للإنفلاش مجدّداً على أراضي الدول المجاورة.