Site icon IMLebanon

الدين والديْن والديان..

مع نشوء التراتبية الطبقية في المجتمع، تحتاج الطبقات العليا إلى فرض سيطرتها على المجتمع وإلى جني الفوائد المترتبة على ذلك. تستطيع اعتبار عمل الناس، إنتاجهم، وما يجنونه من فوائد مادية حقاً عليهم، ديناً للطبقة العليا، تستوفيه بشكل ضرائب، إذا كانت سلطة، أو بشكل أرباح لأصحاب المعامل، أو بشكل فوائد لأصحاب البنوك، أو بشكل ريوع لأصحاب الأرض. يعمل الناس، يُقتطع جزء من عملهم، يصير الجزء الذي يُقتطع منه حقاً للطبقة العليا على الدنيا، حقاً تؤكده القوانين والعقود.

يعتقد المواطن في دولة ديموقراطية أنه حقق فرديته. في هذه اللحظة المجيدة يتم إغراقه بالديون التي يتوجب عليه تسديدها. أن يفني حياته في العمل لتسديد ديونه. فتنتفي إيديولوجيا دينية تعتبر وفاء الدين فرضاً لا يدخل صاحبه الجنة إلا إذا وفّاه. يصير وفاء الدين فرضاً دينياً بمثابة تأدية فروض العبادة؛ وكل ذلك لصالح طبقة سلخت المنتجين عن نتاج عملهم.

لا يفرق الدين عن الديْن سوى في حرف السكون فوق الياء. يبدو أن للطبقة الرفيعة مصلحة في السكون فوق الياء ليصير الدين ديناً. في الدين يخلقنا صانع الكون. نحن ندين له بالعبادة. العبادة هي الشكل الإيديولوجي للذين يجب أن نؤدي الطقوس الدينية وأن يكون جزءاً من هذه الطقوس تأدية الديْن وإلا ففي الأمر مخالفة للدين. في كل اللغات يستخدم تعبير Guilt، Guld، gold، للتعبير عن خطيئة. خلق الإنسان من خطيئة. لا خلاص من الخطيئة إلا ببذل الذهب، بذل فائض القيمة.

الديان ينظر إليك ويريدك أن تؤدي ديونك. صاحب المال ينتظرك، يوجب عليك أن لا تخنث بالوعود، وأن تفي بالعقود. هي في الحقيقة ليست وعوداً من الذي يعمل ولا يملك تجاه الذي يملك ولا يعمل؛ هي بالأحرى فروض تكرس بالأوامر والقسر ووسائل العنف. استخدام وسائل العنف، واستخدام الوسائل الدينية، باستخدام وسائل التلقين الإيديولوجي لإقناع المؤمن المنتج البسيط أن هذا ما يريده الدين. لا يرى أن الدين والديْن وجهان لعملة واحدة، وأن الذنب الذي لم يقترفه المواطن يجب التكفير عنه بدفع كل فائض من إنتاجه لصالح أسياد الأرض أو مالكيها البورجوازيين؛ كل من هؤلاء يمثل الديان.

الديان خلق الإنسان، والإنسان مدين للديان بالخلق. خلق الإنسان بالخطيئة وعليه أن يمضي حياته بدفع ما يترتب عليه إلى حين الخروج من الخطيئة، إلى حين الممات، حيث الحساب هناك. تحسب نفسك وأنت تلج هذا المكان العظيم بعد ولوج السماء أنك في دائرة المحاسبة لديها رسائل كومبيوتورية عظيمة تقيم حسابك. في يوم الحساب يقيِّم حسابك.

في يوم الحساب العظيم يقرر مصيرك. الجنة أم النار. يقرر هذا المصير بناء على ما جرى على الأرض. الحياة على الأرض مخيفة تقضيها شاعراً بالإثم والخطيئة، يؤدي تدجينك إلى أن تقتنع أن من يمثل الديان على الأرض ليسوا إلا بشراً مثلنا، لكنهم ينطقون باسم السماء، وكلامهم يبدو أن شيئاً سماوياً ربانياً ديانياً يدعمه.

لم ينشأ المال قبل الدين، بل بعده. أنت تولد مديناً للديان ولأهل السلطة، وهؤلاء يعتبرون أنك يجب أن تؤدي دَيْنك كما تمارس دِينك.. ألم يقولوا أن الأخلاق تسديد الديون وأن ذلك جزء من الدين؟ لم ينظروا في أساس النظام الاجتماعي بل في ظواهره. اعتبروا التراتبية الطبقية أمراً هو بمثابة الطبيعة البشرية.

اخترع الإنسان المال لتسديد الدين لأن الدين نشأ مع ولادة الطبقة الاجتماعية، مع بداية تحكم بعض المجتمع ببعضه الآخر. البعض الذي حكم اعتبر أن الناس مدينون له. وهم في خدمته منذ فجر التاريخ. نظر إلى السماء، استدعى الذات المتسامية واعتبرها في خدمته.