لا نقول هذا الكلام جُزافاً، ولا نحن أخذناه من السراب، بل اخترنا هذا العنوان بعد تجربة عشناها ونعيشها منذ عام 1979 يوم جاءت أميركا بآية الله الخميني الذي كان يعيش في النجف هارباً من الشاه الذي قتل اثنين من أولاده في التظاهرات التي نظمت في إيران.
أخذت أميركا آية الله الخميني وأسكنته في فرنسا في ضاحية «نوفل لوشاتو»، وبدأت رحلة التحضير لعودته بتوزيع كاسيتات عن خطابات آية الله الخميني يدعو فيها الى الثورة ضد الشاه. وبعد فترة قصيرة انتقل آية الله الخميني الى طهران بطائرة «إير فرانس». واللافت ان المنزل الذي كان يسكن فيه الخميني كان مستأجراً من قبل المخابرات الأميركية… وهكذا، بين ليلة وضحاها طار الشاه الذي لم ترضَ أي دولة في العالم أن تستقبله باستثناء جمهورية مصر العربية، وبالأخص الرئيس أنور السادات الذي عامله معاملة رئيس دولة عظمى… ولكن المرض قضى على الشاه خلال فترة قصيرة.
بالعودة الى الأسباب التي دعت أميركا الى تحضير الخميني ليحكم إيران بدل الشاه، فكانت من إخراج وتخطيط مهندس السياسة الاميركية في ذلك الوقت اليهودي هنري كيسنجر رئيس الديبلوماسية الاميركية يومذاك وثعلب السياسة في العالم… أما الأسباب التي دعت كيسنجر الى استحضار آية الله الخميني… فبكل بساطة لأنّ أميركا طلبت من شاه إيران أن يقوم بحرب ضد العراق، فرفض الشاه أن يعرّض بلاده للدمار والقتل بالرغم من انه كان يعلم انه يستطيع أن ينتصر على العراق… ولكن بثمن غالٍ جداً إنْ على صعيد الضحايا أو على الصعيدين المالي والاقتصادي. أما بالنسبة لأسباب طلب كيسنجر من الشاه أن يشن حرباً على العراق، فكان لسبب جوهري بسيط جداً انه بعد انتصار الجيوش العربية في حرب 1973 على إسرائيل، خصوصاً ان مصر اجتازت «خط بارليف» ودمّرته، وكانت تستطيع أن تحرّر كامل صحراء سيناء وتصل الى القدس… لكن الانذار الأميركي للسادات جعله يوقف القتال بسبب تهديده بالقنبلة النووية.
أما على صعيد الجبهة السورية – الاسرائيلية… فكان السوريون قد حققوا انتصارات على الارض حيث وصل الجيش السوري الى نهر الأردن.. ولكن الضغط والتدخل العسكري الاميركي والجسر الجوي الذي أقامته أميركا مع إسرائيل جعل الجيش السوري يتراجع… وهنا تدخل الجيش العراقي الذي أوقف تقدّم الجيشين الاميركي والاسرائيلي. وهكذا قرّر كيسنجر القضاء على الجيشين العراقي والسوري، ولكن كانت البداية من العراق.
درس كيسنجر واقع الداخل العراقي وتقسيم البلاد بين أقليّة سنّية تحكم، وأكثرية شيعية لا تحكم… عكس الواقع السوري. ولكن الأهم هو الفتنة السنّية – الشيعية.. ومن أجل ذلك استعان بالإمام آية الله الخميني الذي يملك مشروع تشييع العالم العربي.. فجاء الخميني وبدأ الدعم العسكري الاميركي الكبير له، ويكفي فضيحة «إيران غيت» (IRAN GATE) لنعلم كم كان هذا المشروع مهماً بالنسبة للأميركيين.
وبالفعل… تبيّـن ما يمكن أن يفعله السلاح الديني، ويكفي أن نذكّر كيف كان الايرانيون يلبسون أكفانهم ويذهبون الى الحرب الدينية، أي أنهم يريدون أن يشيعوا أهل السنّة ولو بالقوّة. وبالمناسبة للتأكيد على أنّ سلاح الدين هو أقوى من السلاح النووي.. هناك سؤال: عندما تريد أن تهدد أي مواطن بأنك سوف تقتله.. أليْس هذا أشد عقاب؟ ولكن عندما يقول لك الشيعي وهو يرتدي كفنه إنّه ذاهب ليموت وإنه سوف يحصل على منزل في الجنّة.. كما انه يستطيع أن يحجز لنفسه منزلاً في الجنّة يختاره، ويمكن الحصول عليه من مرجعيته الدينية فإنّه سينفذ أوامر هذه المرجعية لأنه مؤمن بها.
من هنا نقول إنّ ما يحصل في العالم العربي هو مخطط رهيب مدروس بعناية فائقة، ونجح في تقسيم العالم العربي، حيث استطاعت إيران بدعم أميركي أن تسيطر على العراق بعد احتلاله من قِبل أميركا، وعلى سوريا وعلى لبنان بالاتفاق مع إسرائيل، وعلى اليمن نكاية بالسعودية التي تورّطت في حرب كلفتها أكثر من ألفي مليار دولار، لتستجدي وقف إطلاق نار بعد 3 سنوات، وترجو الصين عن طريق عُمان العمل على تسهيل إبرام اتفاق مع إيران.
مشروع كيسنجر ومحاولات التشييع الإيرانية، لم تحفّز العرب ليتحرّكوا ضد هذا المشروع بعدم الصمت طيلة هذه المدة… والوقوف مع صدّام حسين الذي ارتكب خطيئته الكبرى المميتة عندما غزا الكويت… وحتى الآن لم نعلم لماذا ارتكب هذه الجريمة؟.