أنجزت وزارة الدفاع الروسية بناء كاتدرائية خاصة بالقوات الروسية المسلحة. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ روسيا التي تبنى كنيسة كبيرة مخصصة للعسكريين الروس. وهي ثالث أكبر كنيسة في العالم.
الميزة الثانية لهذه الكنيسة هي ان الدرج المؤدي الى مدخلها الرئيسي مصنوع من المعدن. والمعدن مأخوذ حصراً من الآليات العسكرية الألمانية التي صودرت من الالمان أثناء الحرب العالمية الثانية ووقعت بأيدي القوات الروسية.
لم يُعد الرئيس بوتين الى الكنيسة الروسية الارثوذكسية كل الممتلكات التي سبق أن صودرت منها في العهد الشيوعي السابق منذ عام 1922 فقط، ولكنه أعاد اليها دورها في المجتمع الروسي، كما أعاد اليها دورها في استقطاب المسيحيين الأرثوذكس في العالم.
فمنذ القرن السادس عشر تبوأت الكنيسة الروسية – في موسكو – دوراً متقدماً في الحياة العامة بصفتها «القدس الثانية»، و«روما الثالثة». أما القدس الأولى فحيث قبر السيد المسيح ومن حيث صُعّد الى السماء؛ وأما روما الثالثة فبعد روما الأولى – الفاتيكان العاصمة الأولى للمسيحية الكاثوليكية، وبعد روما الثانية – اسطنبول – عاصمة الامبراطورية البيزنطية (الارثوذكسية).
غير ان الشيوعية أطاحت بكل هذه الشعارات الدينية وصادرت ممتلكات الكنيسة واضطهدت رجالاتها. ولم تستعد الكنيسة ورجالها الاعتبار إلا على يد الرئيس الحالي بوتين.
ولذلك فان البطريرك الروسي كاريل يصف الرئيس بوتين بأنه «معجزة إلهية تحققت على الأرض».
فالرئيس بوتين يحرص على حضور الصلاة أيام الآحاد. وهو يمارس حتى تقليد «الاعتراف» طالباً المغفرة أمام المطران تيخون شيفكونوف. وهو معروف في أوساط الكنيسة بوطنيته الروسية المتطرفة.
وقد تبنّى بوتين اقتراح هذا المطران وأمر بإعادة النظر في أسماء المطارات المتعددة في روسيا، لتحمل اسماء قديسين ارثوذكس وعسكريين روس من أبطال الحرب العالمية الثانية.
وفي احتفال ديني – سياسي، ألقى الرئيس بوتين خطاباً قال فيه «اننا لا نخاف من أحد. وان الشعب الروسي مستعد للتضحية من أجل أمّنا روسيا. فإذا هوجمنا فسوف نتصدى للمعتدين. واذا استشهدنا فاننا نعرف ان مصيرنا الجنة في السماء. أما مصيرهم فهو الفناء والتلاشي لأنهم لن يجدوا وقتاً للتوبة. انه مصير أعداء المسيحية!!»– أي المسيحية الأرثوذكسية التي تمثلها موسكو.
من أجل ذلك فان انفصال الكنيسة الأوكرانية عن كنيسة موسكو – بعد أكثر من أربعمائة عام من الوحدة – لم يكن مجرد حركة سياسية على رقعة الشطرنج. ولكنه ضربة موجعة للكرملين وللكنيسة الروسية معاً. فالانفصال يعني تخلّي ما نسبته ثلاثين بالمائة من الارثوذكس عن كنيسة موسكو. ونجاح هذا الانفصال يحرّض «ابرشيات» عديدة أخرى على الاقتداء به.
أما على الصعيد السياسي، فان الانفصال يوجه رسالة الى الكرملين والى سيده مفادها: صحيح ان الكرملين ربح شبه جزيرة القرم، ولكنه خسر أوكرانيا وكنيستها. أما ردّ الكرملين على هذه الرسالة فانه مفتوح على كل الاحتمالات. وكلما تعززت العلاقات الروسية التركية بين الرئيسين بوتين واردوغان، يشتد الحصار المعنوي على البطريرك بارثولوميو، بطريرك اسطنبول (روما الثانية ارثوذكسياً)، وهو الوحيد الذي له حق شرعي – كنسي في إعطاء كنيسة أوكرانيا براءة الانفصال عن كنيسة موسكو. ويتهم الكرملين والكنيسة الروسية معاً بارثالوميو بأنه مارس هذا الحق استجابةً لطلبات أميركية – أوروبية.
أدى ذلك الى دفع العلاقات بين الكرملين (الرئيس بوتين) والكنيسة (البطريرك كيريل) نحو المزيد من التعاون لمواجهة عدو مشترك، حتى ان صور بوتين أصبحت ترفع داخل الكنيسة.. الى جانب قدّيسيها.