.. لعله العنوان العريض الذي يختصر مشهد الاقتتال المستجد في سوريا بين النظام وإيران و«حزب الله» ومظلتهم الدولية روسيا. هذا الاقتتال الذي تُستخدم فيه أسلحة تقليدية و«غير تقليدية» على خلفية معارك ريف حلب بلغت حدّ تلويح أتباع الأسد بـ«البوط السوري» في وجه «حزب الله» كما عبّر شريف شحادة أحد محللي النظام على موقع «فايسبوك» لتعود كنانة علوش إحدى إعلاميات النظام فتعقب التلويح بتهديد صريح للحزب عبر الموقع نفسه بقولها: «لا تلعبوا معنا».. هذا الاقتتال الممانع تبدو رقعته آخذة بالاتساع لتبلغ مستويات أكبر وأخطر من صدامات الميدان و«البوط» تحت وطأة الخلاف الاستراتيجي الآخذ بالاحتدام أكثر فأكثر حول سبل حل الصراع السوري بين كل من النظام وطهران المتفقين على وجوب إنهائه عسكرياً من جهة، وموسكو المصممة على إنهائه سياسياً من جهة أخرى.
فعلى جبهة نظام الأسد، أشعلت «هدنة» حلب الروسية الأخيرة «النار» الإعلامية بين موسكو والنظام الذي لم يُخف استياءه من مبادرتها إلى إعلان التهدئة لمدة 48 ساعة فدفع أحد المصادر المقربة منه للإعراب علانيةّ عن هذا الاستياء لوكالة «فرنس برس» مع التلميح بعبارات تخوينية تطال مباشرة القيادة الروسية وتتهمها بالتواطؤ ضد جيش الأسد.
أما على جبهة طهران وإذا كان بعض المراقبين الروس يشكون من أصابع إيرانية واضحة في دفع النظام إلى عدم احترام موجبات الهدنات المتتالية التي تلتزم بها موسكو تجاه المجتمع الدولي، فبدا لافتاً للانتباه صعود الامتعاض الروسي من الأداء الإيراني في سوريا سلّماً متصاعداً بلغ أوجه أمس مع حرص وكالة «روسيا اليوم» على نقل حرفية تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من واشنطن لجهة التأكيد على كون «طهران تُشعل الفتن الطائفية وتنتهج سلوكاً عدوانياً وتدعم الإرهاب في المنطقة».. مع ما يختزنه هذا النقل الروسي الأمين للعبارات المُدينة للسلوك الإيراني من معاني تعني ما تعنيه في معجم العلاقة المتأزمة بين قيادتي القيصر والمرشد.
وبعد، تأتي التقارير الديبلوماسية الواردة من موسكو حول نتائج الاجتماع الثلاثي الذي عُقد الأسبوع الفائت في طهران بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا لتوثّق اتساع هوة الخلاف والاختلاف في الوجهات بين موسكو وطهران حيال حل الأزمة السورية، بحيث تنقل أنّ الوزير الروسي الجنرال سيرغي شويغو بدا حازماً في مقابل إصرار طهران ودمشق على عسكرة الحل السوري في تشديده أمام نظيريه الإيراني العميد حسين دهقان والسوري العماد فهد الفريج على كون القيادة الروسية مصرّة على وجوب الوصول إلى حل سياسي للأزمة وتريد التزاماً ميدانياً بأطول هدنة عسكرية ممكنة لتسهيل وتسريع أطر مفاوضات جنيف والمضي قدماً في آلية التواريخ المُدرجة على الجدول الزمني لهذه المفاوضات وصولاً إلى 7 آب الموعد المقرر لتعديل الدستور السوري وبدء المرحلة الانتقالية.
ولا يقتصر التباين الروسي الإيراني على الساحة السورية إنما يتعدى حدودها باتجاه الساحة اللبنانية، في ظل إشارة التقارير الديبلوماسية نفسها إلى أنّ القيادة الروسية أبلغت القيادة الإيرانية في الآونة الأخيرة رسالة شديدة اللهجة تجاه استمرار «حزب الله» في سياسة منع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.. وهو للمناسبة ما سمعه أحد أعضاء تكتل «التغيير والإصلاح» بنفسه حين أثار مع نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف في موسكو ملف الأزمة الرئاسية، فما كان من بوغدانونف إلا أن نصحه بالاحتكام إلى الدستور والنزول إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس الذي يحوذ على الأكثرية النيابية.
.. وعلى ذمة التقارير الديبلوماسية الموثوقة، فإنّ المسؤول الروسي أبدى استغرابه لتبرير عدم المشاركة في الجلسات الرئاسية بعدم امتلاك عون الأكثرية المطلوبة لانتخابه، متسائلاً أمام ضيفه العوني: «هل لبنان دولة ديموقراطية يحكمها الدستور أم أنه تحوّل إلى نظام ديكتاتوري؟ إذهبوا إلى مجلس النواب وليفز من يمتلك الأكثرية!».