لم تستفز العملية العسكرية التي قامت بها القوات الاميركية الخاصة في دير الزور يوم السبت الماضي في 16 الجاري مستهدفة قيادياً في تنظيم الدولة الاسلامية رئيس النظام السوري، كأن يعمد مثلاً الى المطالبة باحترام سيادة بلاده على ما فعل بالنسبة الى زيارة رئيس الوزراء التركي محمد داوود أوغلو ضريح سليمان شاه في العاشر من الشهر الجاري، باعتبار انها كانت “تسللاً من دون إذن” وفق ما قال. العملية العسكرية الاميركية هي الاولى من نوعها في الوقت الذي سبق للقوات الاميركية ان قامت بعملية مماثلة من اجل انقاذ الرهائن الاميركيين لدى داعش العام الماضي من دون نجاح يذكر. وهي استهدفت قياديا داعشيا في دير الزور في الوقت الذي كان “حزب الله” يعلن استمرار الحرب المفتوحة في القلمون، كما قال امينه العام السيد حسن نصرالله، من دون ان يأتي بدوره على الاشارة الى العملية العسكرية الاميركية. فمع ان خطابه الاخير أتى بعد ساعات من العملية الاميركية، فانه لم يأت على ذكرها لا من قريب ولا من بعيد على انها اعتداء على سيادة سوريا مثلاً، وفق ما يفترض منطق الامور، استناداً الى ان محور المقاومة والممانعة لا يزال قوياً ومؤثراً وسيادة سوريا هي جزء من هذا المحور من حيث المبدأ. هذا الامر بدا لافتاً بالنسبة الى متابعي السيد نصرالله. ذلك ما لم يعتبر الامين العام للحزب ان العملية العسكرية الاميركية لا تشكل انتهاكاً للسيادة السورية ما دامت استهدفت تنظيم الدولة الاسلامية الذي يقول النظام انه يحاربه، وكذلك الامر بالنسبة الى ايران والحزب. سبق للولايات المتحدة وايران ان وجدتا نفسيهما في تحالف موضوعي في العراق ضد تقدم الدولة الاسلامية وهما تجدان نفسيهما مجدداً في الخندق نفسه بعد سيطرة التنظيم على مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار في العراق حيث هرع وزير الدفاع الايراني حسن دهقان الى بغداد من اجل تحفيز الحشد الشعبي من اجل المواجهة وتقديم المساعدة في الوقت الذي أعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان بلاده ستساعد في اعادة استرجاع الرمادي من التنظيم. وفيما وجد مستشار مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران علي اكبر ولايتي من بيروت التي زارها دعما لما اعتبره “انجاز” الحزب وانتصاراته في القلمون، في استمرار ما سمّاه “العدوان السعودي الوحشي على اليمن” امراً مداناً، فانه لم يقترب اطلاقاً من العملية العسكرية الاميركية في سوريا. لم ترد على جدول مواقفه كونها تسجّل على الأرجح في السياق التي تقول ايران انها حربها في العراق وسوريا ضد الارهاب والتكفيريين. أو ان ولايتي رغب في اعطاء ثقل لـ”الانجاز” من جانب “حزب الله” تأكيدا لحجم الدور الذي يقوم به وفي معرض توجيه رسائل متعددة عن رعاية ايران لذلك انطلاقا من لبنان وحفظا لدور الحزب مستقبليا كما حفظا لدور ايران أيضاً. (تجدر الاشارة في هذا السياق وعلى هامش هذه الفكرة حين يذكر الحزب في دراسات وابحاث مؤثرة ككيان قائم بذاته من ضمن اللاعبين الاساسيين في سوريا جنبا الى جنب دول المنطقة من دون ذكر وجود لبنان كدولة). في أي حال بدت، لا بل غدت، الرسائل الايرانية من بيروت في ظل هذا المعطى في اطار محور الممانعة والمقاومة الجديد كأنها باتت موجهة ضد المملكة السعودية ودول الخليج العربي ولم تعد موجهة من بيروت ضد الولايات المتحدة، ولو ان مواجهة هذه الاخيرة تبقى الشعار الاكثر اعتمادا في خطاب اهل هذا المحور.
لا تعكس هذه الوقائع صورة واضحة عن بعض الدول او التنظيمات من المتدخلين في الازمة السورية ومدى هامشية النظام في الحرب الجارية على الارض السورية فحسب، اذ ان هذا الواقع غداً من المسلمات على رغم انه لا يمكن اهمال استفادة النظام من تضافر هذه العناصر التي تصب في مصلحته من حيث المبدأ بغض النظر عن قدرتها على ضخه بالمصل الكافي للاستمرار ام لا. إلا ان هذه الوقائع تترجم أكثر مدى تداخل الأوراق ومصالح اللاعبين وتطور هذه المصالح مع تقدم الأزمة. فالعملية العسكرية الاميركية التي تمثلت في انزال جنود اميركيين مفاجئة مقدار ما انها تأتي غداة قمة كمب ديفيد بين الرئيس الاميركي وقادة دول مجلس التعاون الخليجي حيث فُهِم من المحادثات ان الرئيس الاميركي ليس متحمساً او راغباً في اي تورط من اي نوع في سوريا على عكس ما هو قائم في العراق. وهي مفاجئة من حيث تخطيها ما فُهِم انه التزام الرئيس الاميركي لضربات جوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، لكن من دون مخاطرته بأي جنود على الارض، خصوصاً في سوريا. فهل نجاح العملية يشكل اختباراً اميركيا لإمكان عمليات مماثلة لاصطياد قياديي تنظيم الدولة الاسلامية مجدداً أم هي اختبار لتنفيذ امور اخرى؟ وهل يجب ان تشكل نقزة لدى ايران ام ان هذه الاخيرة باتت مطمئنة نسبيا الى ما قاله الرئيس الاميركي على اثر القمة مع دول مجلس التعاون الخليجي من ان “هدف اي تعاون استراتيجي مع دول الخليج ليس ادامة مواجهة او العداء مع ايران او حتى تهميشها”، فتطمح الى شراكة في سوريا مماثلة للشراكة في العراق؟