لم يكن «داعش» ولا شقيقته «النصرة» موجودين عندما باشر «حزب الله» مهمته «الإلهية» في إعانة بشار الأسد على الفتك بعموم السوريين وبكل من قال لا لحكمه وسلالته وسلطته المتحكمة بسوريا وشعبها منذ نحو خمسة عقود.
بل أذكر، مثل كل خلق الله، أن «حزب الله» تدرّج في إعطاء عناوين تبريرية لذهابه المدرّع إلى سوريا، وإن ذلك في كل حال، بلغ مستوى من الضخّ لم يألفه عموم العرب والمسلمين ولا حتى في ذروة النزاع مع إسرائيل، خصوصاً لجهة حضور النصّ المذهبي المكشوف والعاري من كل غطاء، مع كل ما يصاحب ذلك في العادة من طقوس وشعارات وممارسات، يعرفها جيداً اللبنانيون وبعدهم العراقيون، والآن السوريون! وبالتالي، صعب جداً الأخذ بالرواية الشاملة من دون المباشرة بالغلاف ثم بالمقدمة قبل الوصول إلى الخاتمة الجليلة!
.. صعب جداً، وفيه تحميل للضمير فوق طاقة القدرة البشرية على التحمل، الخوض في مقاربة نكبة السوريين من خلال القفز فوق كل عناصرها وتعبوياتها ومشاريع المنخرطين فيها، من اجل اختصارها فقط ببضعة ارتكابات «تكفيرية» «إرهابية» موبوءة ومشبوهة، ويعرف صنّاعها الحقيقيون أنها وظيفية بالدرجة الأولى، وأن الاستثمار الممانع فيها حقق مردوداً لا يُقارن! وأنتج شمّاعة أمكن «المسؤول الأول» عن نكبة العصر، من تعليق ارتكاباته عليها! والتبرؤ من مسؤولياته الجسام! والادعاء في النتيجة بأنه بريء من الفتنة! والدم السوري! والتشويه الفظيع بالإسلام نصاّ وروحاً وشعوباً ودولاً وأوطاناً وكيانات!
إلا إذا استحكمت محنة العقل عند باعة بضاعة الممانعة إلى درجة الظن بأن الحقيقة ترف لا تستحقه شعوب هذه المنطقة! وأن معظم البلايا والكوارث والنكبات الفظيعات النازلة والطالعة والضاربة والفاتكة بشعوب اليمن والعراق وسوريا وبعض لبنان هي من صنع «داعش»! وأن من عنده مشروع «ثوري» إمبراطوري استحواذي يتشاوف به علناً وبتصديره وبمندرجاته وبـ«حدوده»، ولا يترك مناسبة ولا فرصة ولا مصيبة إلا ويستغلها من أجل «دعوة» الأقوام والشعوب (العربية والإسلامية!) المستهدفة، إلى الإذعان له والتسليم بتفوقه! والبحث عن «أفضل الصيغ» الممكنة من أجل الإقرار بالهزيمة أمامه.. من يملك ذلك كله بريء أولاً! ومقاتل للإرهاب ثانياً! وحريص على الإسلام ثالثاً! ومهموم بوحدة الأمة رابعاً! ومشغول بالتصدي للتآمر عليها خامساً! وحريص على الأمن القومي العربي سادساً! ومصدوم من نكبة أهل سوريا سابعاً! وإلى آخر العدّ!
المصيبة الأكبر من النكبة الراهنة، هو أن أهل الممانعة والمشروع الإيراني يفترضون أن الفلهوة الإعلامية والتكرار البلاغي والاختصار الخطابي، تكفي في جملتها من أجل إعلان البراءة! ومن أجل الإمعان في ما يفعلون! وكأن كل هذا الدم المسفوك والأرواح المقتولة والثروات المهدورة والدمار العميم والعظيم، وكل هذه الفتنة اللعينة، يمكن أن تُبرر على وقع مشروع الاقتدار الإيراني! ويكفي لعب دور الضحية والشطارة في استخدام الإعلام، من أجل تحميل «الإرهاب الداعشي» كل الرزايا والبلايا!
كم يبلغ عدد ضحايا هذا الإرهاب الجهنمي الإبن حرام؟ ألف؟ ألفان؟ ثلاثة آلاف؟ عشرة آلاف؟ عظيم! لكن هل وصلتك يا عزيزي، أحدث إحصاءات الخسائر البشرية السورية؟ بل هل تعني أرواح البشر شيئاً عند بشار الأسد والمدافعين عنه! هل يعني رقم المليون قتيل شيئاً؟ والاثني عشر مليون مهجّر ونازح ولاجئ ومنكوب؟ هل تعني الصور المسرّبة عن فظاعات التنكيل في سجون الأسد شيئاً لمدّعي «محاربة الإرهاب»؟ هل تعني المجازر والتدمير الممنهج للقرى والمدن السورية بواسطة الطيران والمدفعية والصواريخ شيئاً عند المرتكبين؟ هل كان «داعش» في الغوطة عندما قصفها بشار الأسد بالسلاح الكيماوي؟ هل كان الأطفال الذين قضوا اختناقاً آنذاك أصحاب فكر «تكفيري» «إرهابي»؟!
.. هل هناك حدود للحياء والخجل في هذه الفظاعات؟! في هذا البلاء الفتنوي المستشري؟.. يا الله!