Site icon IMLebanon

حوادث الماضي الغابر تكشف تطلعات الحاضر

حوادث الماضي الغابر تكشف تطلعات الحاضر

الجمهورية معقدة الحلول والعروض

والمناصفة مشكلة الطائف والطوائف

أراد الرئيس سعد الحريري، ان يكون الأول في النقد السياسي لنفسه، وحرص على أن يكون أيضاً اول البادئين الى ممارسة النقد الذاتي لنفسه في أولى كلماته الى الناس خلال شهر رمضان المبارك.

واحب سعد الحريري، على غرار والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ان يدعو المواطنين، الى ان يشاركوه في تحديد الأخطاء، لا ان يهرب معهم من ايراد ملابسات الانتخابات البلدية في العاصمة الثانية، وكشف حقائق اربعة أسابيع من طلب ود المواطنين ومحاسبتهم له، والمساءلة المشتركة.

كان سعد الحريري مقتنعاً بأن خيار المناصفة لا عودة عنه. كما ان المناصفة بين الناس، هي نصف الطريق الى ترجمة اتفاق الطائف، والنصف الآخر من أخطاء الوصاية السورية التي أرادت تصفية وثيقة الوفاق الوطني كطريق الى وضع اليد السورية على لبنان.

ويقول سعد الحريري انه اخطأ مرتين، لا مرة واحدة، بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، الاولى عندما تحالف مع زعماء طرابلس عندما أراد خوض الإنتخابات النيابية في فيحاء الشمال متخلياً عن الحريريين الاصيلين وفي مقدمتهم نواب سابقون شاركوه في معارك ذاتية وعامة، واستأجر لهم فنادق للإقامة فيها، في فندق فينيسيا. والمرة الثانية ساعة تحالف انتخابياً بلديا مع زعماء طرابلس مثل الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي.

عندما اطلت المعركة الجديدة، لاختيار الزعامة السياسية للطائفة السنية، نصحه اصدقاء كثر، بتوحيد الصف السني في بيروت الى طرابلس، ومن البقاع الى صيدا، خصوصاً بعد تفاقم ظاهرة الأسير وفضل شاكر، ووجود ثغرة النائب السابق أسامة سعد، وتعاظم أزمة النزوح السوري الى لبنان، في ظل مواكبة ملتبسة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتحول المخيمات الفلسطينية، الى بؤر للفساد وللخارجين على القانون.

وهكذا استفحلت أزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين، والازمة الكبرى على أبواب فتنة ظاهرة بين الطائفتين السنيّة والشيعية، ووجود فريق يريد كبح جماح الفتنة، وفريق يخاف من تفاقم السلاح في أيدي الطائفة الشيعية، ولا سيما بعد مشاركته في الحرب، أولاً في التهم الصادرة عن المحكمة الدولية، بوجود عناصر من حزب الله متهمة باغتيال الشهيد رفيق الحريري، ومشاركة فعلية في الحرب الدائرة في سوريا، ضد الجيش السوري.

حصلت هذه الأمور كلها، ولبنان من دون رئيس جمهورية مرت سنتان وحلت السنة الثالثة، والبلاد خاوية من المرجع الدستوري الأول. لا الكاردينال بشارة الراعي استطاع حمل زعماء الموارنة الاربعة على اختيار واحد منهم للرئاسة هم الرئيس الشيخ أمين الجميل، والرئيس العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجيه والدكتور سمير جعجع.

ومرت الأزمة الرئاسية في أربعة حلول من دون نتيجة. لا الحوار بين سعد الحريري وميشال عون أسفر عن اتفاق، ولا الحوار بين تيار المستقبل، بزعامة الحريري قاد الى اتفاق على ترشيح الدكتور جعجع، ولا الحوار بين المستقبل قاد الى تفاهم مع الشيخ امين الجميل، ولا الحوار بين سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه ردم الهوة بين السيد سعد والنائب فرنجيه.

أخيراً، كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق قصة ترشيح سليمان فرنجيه، بعد الإنتخابات البلدية، وقال ان وزير خارجية بريطانيا طلع بالفكرة، وجرى تسويقها مع الأميركان والفرنسيين، وصولاً الى المملكة العربية السعودية، والى سعد الحريري بالذات.

ويبدو ان تصريحات المشنوق، صحيحة كانت أم لا، اغضبت السعودية واعادت الفكرة الى عصر العاهل السعودي الراحل عبد العزيز، قبيل اعتلاء العاهل السعودي الحالي العرش، الا ان تصريحات وزير الداخلية المشنوق، ما زالت تتفاعل، ودخل على الخط الرئىس نبيه بري، الذي كشف صراحة، ان تجديد أو تمديد للمجلس النيابي الحالي، الممدد له مرتين وان لا بد من إنجاز قانون إنتخابي جديد، يتحرر من عقدة قانون الدوحة المستوحى من مكون قانون العام ١٩٦٠.

وظهر على الخط النائب وليد جنبلاط مقترحا مجدداً اسم العماد ميشال عون، على أن تتبنى السعودية ترشيحه، هي والزعماء الكبار من الطوائف المسيحية، فيما يواصل رئيس البرلمان ترميم المصالحات بين حركة أمل وحزب الله.

ويقول عدد وافر من النواب، ان الأزمة الرئاسية، معطوفة على الأزمة مع الاميركان، فتحت معركة جديدة، بين أميركا من جهة وحزب الله وحاكم مصرف لبنان من جهة ثانية، وتكاد تهدد بانهيار شبكة متينة يقودها الحاكم لمصلحة النقد اللبناني.

وفي رأي قادة الرأي، ان الجمهورية اللبنانية باقية في جحيم الفراغ مدة تتجاوز بضعة أشهر، قبل الركون الى توافق لبناني سياسي يمهد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ويستبعد كثيرون قصة المؤتمر التأسيسي، ويدعو حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله وثانيه السيد نعيم قاسم، تيار المستقبل الى خوض تجربة لا بد منها مع العماد ميشال عون لسبر اغوار امكانات التقاسم معه على رئىس يقود الجمهورية ولا يبقيها في جحيم الفراغ.

إلا ان الأزمات السياسية تكبر، وتولد الى جانبها أزمات أخرى، ولا سيما بعد الإنتخابات البلدية الاخيرة.

كانوا ينصحون سعد الحريري بالتوافق مع الجميع، ومع السوريين وقائدهم بشار الاسد. وقبل الإنتخابات عمل سعد الحريري بنصيحة الجميع، ورمم علاقاته السياسية بزعماء طرابلس، واتفق مع الرئىس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والوزير فيصل عمر كرامي والجماعة الاسلامية والاحباش على قائمة واحدة، استبعدوا عنها أو استبعد نفسه عنها الوزير المستقيل أشرف ريفي.

وهذا تنافست قائمتان في الفيحاء الاولى بزعامة الرئىس سعد الحريرري ونجيب ميقاتي، والوزراء محمد الصفدي وفيصل كرامي والجماعة الاسلامية والاحباش.

وهذه لائحة كبرى نامت على انتصار متوقع، واستيقظت على فشل سياسي كبير، اذ فازت لائحة الوزير ريفي بثمانية عشر عضواً، مقابل ستة من قائمة الأقوياء الكبار مع وجود قائمة غير مكتملة برئاسة النائب السابق الاحدب.

طبعاً، سارع الرئيس سعد الحريري إلى تلقف النكسة الذي أكله، وقام بعملية نقد ذاتي، لأن الرجل أراد ويريد الإعتبار من الأخطاء، والإبتعاد عن حسابات ومساءلات تجاوزها قبل المعركة الإنتخابية ولا يستطيع تجاهل نكساتها، خصوصاً وان العاصمة الثانية أفرزت قوة غير متوقعة، وزعامة من قلب زعامة تيار المستقبل.

ويقول النائب أحمد كرامي الذي وقف مع نجيب ميقاتي حليفه وصديقه انه وإبن عمه فيصل عمر كرامي على الغريب، لا مع البعيد، وان كان الجفاء قائماً بين الإثنين.

هل انتخبت طرابلس التطرف، وأبعدت التعقل، عندما لم يفز أحد من المسيحيين والعلويين في اللائحة الجديدة التي تضم ثمانية عشر عضواً من لائحة الوزير المستقيل أشرف ريفي، وستة من قائمة الجبابرة، وعلى رأسهم الرئيسان سعد الحريري ونجيب ميقاتي.

والآن يحاول الرئيس نبيه بري، بما يملك من تجارب سياسية، وخبرات قانونية، اجتراح قانون إنتخابي يجمع بين النسبية والأكثرية، على غرار ما حاول ايجاده الوزير الراحل فؤاد بطرس، لكن الخبراء في علم الدستور يرجحون العودة الى قانون الدوحة، أو الى قانون العام ١٩٦٠ الذي وضع في أيام فؤاد شهاب، وما لبث ان انكره عندما اكتشف عيوبه والأخطاء!

هل عقدة الجمهورية تكمن في القانون أو في فهم معنى وجود رئيس يقود البلاد، ولا يعدد الاخطاء ويرحل!

لا بد من العودة إلى السنوات الغابرة، لاكتشاف الاخطاء واستلهام المفاهيم السياسية والعادات الدستورية.

في أيام البطريرك خريش، وجه البرقية الآتية الى البابا بولس السادس: انّ لبنان يعيش أحرج الساعات من تاريخه. نستحلف قداستكم أن تستعملوا كلّ ما في وسعكم لإنقاذ هذا الوطن من المذابح وتشريد السكان الآمنين ونتوجه عبر قداستكم الى العالم المتمدن والى الدول الكبرى الصديقة والى الأمم المتحدة لتسارع الى نجدة لبنان.

في ٢٢ كانون الثاني، توصّل وفد الوساطة السوري المقيم في لبنان الى نص اتفاق يمكن ان يشكل أساساً لوقف الحرب في لبنان. فقد سبق الوصول الى هذا الإتفاق اجتماعات مكثفة عقدها الوفد السوري مع رئيس الجمهورية، ثم مع رئيس الحكومة المستقيل، ثم مع مختلف القيادات السياسية والحزبية المتصارعة. ودرست خلال هذه اللقاءات أبعاد المشكلة من مختلف جوانبها ثم تم التوصل الى اتفاق أعلن تفاصيله بيان عن المديرية العامة للقصر الجمهوري: لخّص في مقدمته أسس الاتفاق بالقول إنه يقضي بتحقيق أصلاحات سياسية شاملة، من بينها حفظ منصب رئاسة الجمهورية وتوزيع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وانتخاب رئيس الحكومة في البرلمان. في دمشق، نفى أحمد اسكندر وزير الإعلام السوري نفياً قاطعاً أنباء دخول قوات سورية الى لبنان. وقال: إنّ هذه الأخبار التي تروّج لها إذاعة إسرائيل وأعداء الأمة العربية إنما تدعو إلى سخريتنا. وهي تقصد أساسا الضغط على أعصاب إخواننا اللبنانيين لزيادة حدّة الأزمة توتراً، وخلق مصاعب تحول دون الوصول الى الحل السريع.

وردّ على سؤال عن دخول قوات من جيش التحرير الفلسطيني لبنان قائلاً: إن منظمة التحرير الفلسطينية باعتراف جميع العرب ومعظم دول العالم هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. وجيش التحرير الفلسطيني تابع كلياً سياسياً وإدارياً ومالياً لمنظمة التحرير.

كان تاريخ فريدا، وكانت هوية لبنان وشخصيته مستقلين فهو لم يكن ما يسمى دولة مواجهة أو دولة خط أمامي. ونحن نرى أن الوضع بالغ الخطورة، ونؤيّد كليا وحدة لبنان وسيادتهوندرك أن الوضع أدى إلى استقطاب. لقد كان هناك مقدار كبير جداً من إراقة الدماء والعذاب، وليس ثمة من يستطيع أن يعطي جواباً سهلاً عن هذا الوضع، لكننا نقدم دعما كليا لأي جهود سياسية تبذل داخل لبنان لمحاولة تحقيق مصالحة بين الجانبين، ونحن ضد التدخّل الخارجي وضدّ تقسيم لبنان وسنعارضه.

نظراً الى الوضع الذي أصبح اكثر خطورة، لا يستطيع المرء أن يستبعد عملية نوع من الانغماس الدولي، سواء من جانب مجلس الأمن أو في طرق أخرى. ومن وجهة نظرنا نحن، من الواضح أننا نودّ أن نرى وقف إطلاق نار مستمراً … أظنّ أنّ من الواضح أنّ بعض الجدل والسبب في ما نراه حاصلا في لبنان هو الاختلاف في الرأي بين المسلمين والمسيحيين حول النهج السياسي الذي يجب أن يتبع في لبنان في المستقبل. إنّ من الصعب رؤية وقف إطلاق نار مستمراً من دون أن يكون هناك على الأقل بعض التفاهم بين الفريقين حول النهج السياسي الذي سيتبع في المستقبل. سيكون مطلوباً إجراء بعض التعديل السياسي.

ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تسقط من الحساب أي تدخل للقوات الأميركية من جانب واحد؟ أجاب سيسكو:

نعم، أظن أننا نسقط هذا من الحساب. لقد أشرنا الى هذا في الأيام الأخيرة. مباشرة في هذا الوضع. إننا ناشطون جداً على الصعيد الديبلوماسي مع الحكومة اللبنانية ومع عدد من دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية. وقد بحثنا في وضع لبنان مع عدد من حلفائنا الأوروبيين. كانت جهودنا كبيرة من الناحية الديبلوماسية وسنظل نبذل كل جهد لتسوية هذا الوضع بالوسائل الديبلوماسية.

تشعبت الاخبار والمشاريع وانتهت قضية اقتحام قصر السعديات والدامور والجية إلى مادة للأخذ والردّ على الصعيد السياسي، فالرئيس كميل شمعون كان متضايقا لما وصلت إليه الأمور، لكنه كان يحاول السيطرة على عواطفه أمام من كان يزوره مستنكراً وحاملاً على الذين اجتاحوا المنطقة. هو الذي عمل في خدمة القضية الفلسطينية طوال أكثر من ثلاثين عاماً.

العميد ريمون إده كان يصعّد حملته ويقول إنّ لبنان أصبح خاضعاً للانتداب السوري. والرئيس حافظ الاسد يبذل كل جهوده من دمشق للخروج من دوّامة القتال لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان نجاح الاتفاق الذي أعلن ويتصل بالرئيس سليمان فرنجيه ويؤكد له حرصه على تطمين جميع الفرقاء إلى النيات السورية. والأستاذ كمال جنبلاط يعلن أن الحرب انتهت في رأيه رغم كل الاشتباكات المحدودة. والدوريات الفلسطينية تلاحق المسلحين المخالفين لنص اتفاق وقف إطلاق النار وتعتقلهم في شوارع المنطقة الغربية من بيروت.