Site icon IMLebanon

شطب الدائرة المقدسة في المشهد الإقليمي

 

لا يمكن إلا التوقف عند التسونامي الذي اجتاح  البنى التنظيمية والانتخابية لتيار المستقبل. ساعات قليلة كانت كافية لشطب الدائرة المقدسة المحيطة بالرئيس سعد الحريري، الدائرة التي تكلم كثيرون عن تجاوزاتها وانعدام الرؤية لديها، سواء في العلن أو في مجالس مغلقة في لبنان وخارجه، منذ ما سبق استقالة الرئيس الحريري من الرياض وعودته عنها تحت ضغوط اقليمية ودولية. أي كلام عن الدائرة المقدسة كان يواجَه بالتخوين والخروج عن الصف الواحد والإلتفاف على الرئيس الحريري لدى حلفائه. حدة القرار وشموليته والقدرة المفاجئة على اتخاذه لا تعود الى ضبط من طالهم الإقصاء بالجرم المشهود، بل الى إلزامية وقف المسار الإنحداري الذي شكّلت نتائج الانتخابات الفضائحية باكورة محطاته.

تَعثر محاولات تغيير الدائرة المقدسة كان من المسببات لأزمة الاستقالة من الرياض. تدخلات الرئيس ماكرون المدعومة اميركياً التي عبّر عنها بيان مجموعة الدعم الدولية في 8 كانون الاول المنصرم، من خلال مجموعة من الالزامات للاطراف السياسية في لبنان، وإنضمام الرئيس الحريري وأخذه هذه الالزامات على عاتقه، منحه فترة سماح وحرية غير مشروطة في الحركة والمناورة. كان المطلوب من الرئيس أن يعيد ترتيب أوراقه وأولوياته وتحالفاته، ولكن فريق صنع القرار في بيت الوسط، المنفصل عن ظاهرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومعناها ودورها في توازنات المشهد الاقليمي الدقيقة، هدر فترة السماح هذه في مغامرات غير محسوبة بنيت على قاعدة التسوية الرئاسية، وأدّت إلى تشتت الحلفاء وإقصاء الاصدقاء، كما أدّت إلى تكريس اعراف في الحكم طالت هيبة ودور رئاسة الحكومة، ولامركزية وزارية موسّعة خارج سياق السياسة العامة، وشراكات ثنائية بين بعض الوزارات ورئاسة الحكومة، بما يتناقض مع الدستور وبما عطّل ويعطل دور الاجهزة الرقابية. نتائج الانتخابات أكدت بلوغ اللحظة الحرجة التي حاولت الرياض استباقها، وهي نذير انتهاء فترة السماح. الإجراءات الجذرية التي أعلنها الرئيس الحريري ليست بحت محلية بنتائجها، بل هي بمثابة الاستجابة  لصفارة الإنذار الإقليمية لإنقاذ التيار السيادي وانهاء مرحلة التقهقر التي لا يستطيع احد الدفاع عن رموزها.

عشائرية المبارزات العددية بين رؤساء الكتل النيابية، وتأليف التكتلات العابرة للكتل تمهيداً لفتح بازارالحقائب، سواء تحت عنوان مراعاة الأحجام أو بما لا يقصي أي من المكونات تطبيقاً لبدعة اتفاق الدوحة، واعلان الشروط المسبقة بدءاً من طائفة «صاحب بيت المال»، الى جانب الخطاب المتطرف والطائفي، تفرض جميعها مناخاً من التقاسم الحاد للسلطة لا يستطيع جلباب الرئيس الحريري الخارج من انتخابات قاسية تغطيته، هذا الى جانب دخول مكوّن يدين بالولاء لدمشق الى المجلس النيابي، مما سينعكس على تيار المستقبل وعلى مستقبل رئيسه سواء كُلف بتشكيل الحكومة أم لم يكلّف.

فهل يكفي التحالف مع رئيس الجمهورية لاستيعاب وتجاوز كل هذه المخاطر، وهل يمكن الركون إلى خطاب رئيس التيار الوطني الحر «الصديق» المشتّت بين زعامة مسيحية صاعدة تقض مضجعه وتقصي أحادية تمثيله المزعومة، وحلم استعادة جمهورية بائدة أفضى نزق من تولاها وجهله بالتاريخ وتجاهله لأبسط قواعد المشاركة السياسية إلى تفجير الكيان ؟ كيف يمكن أن تستعيد رئاسة الحكومة موقعها كمصدر للسياسة العامة في ظل طموحات بعض الوزراء لتعديل تسميات ومهام بعض الوزارات،بما يتقاطع بل بما يقتطع من مهام ومجالات عمل وزارات اخرى، وبما يكرّس وجود لبنان آخر خارج الحدود، له ماهيته ودوره وارتباطاته بمعزل عن القرار الوطني والسيادي؟

استعادة الحلفاء والاصدقاء لا يمكن ألا أن تكون في رأس قائمة أولوليات رئيس الحكومة، ولكن هذه المرة ليس على قاعدة اصطفاف أوائتلاف نيابي لا يلبث أن ينكسر أمام مصلحة مناطقية أو صفقة مشبوهة. استعادة الحلفاء لا يمكن أن تكون إلا من خلال النظر الى المشهد الاقليمي الواسع وعلى أساس التأكيد على دور لبنان من منظار عربي، في ظل الاستحقاقات الحرجة المترتبة على الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي ومجريات الحرب في اليمن ونتائج الانتخابات العراقية والدور الايراني المتداعي في سوريا أمام أنظار موسكو.

التأكيد على دور لبنان في المشهد العربي هو اختبار للفريق السيادي في استعادة دوره بعيداً عن الجزئيات اللبنانية الضيقة التي تفتقر الى التكامل، وهو عنوان الافتراق أوالتحالف السياسي في هذه اللحظة الاقليمية.

فهل يشكّل الغاء الدائرة المقدسة اقفالاً لمفاعيل أزمة الرياض وخطوة على مساراستعادة الحلفاء؟