إخراج لبنان من أي تسوية أميركية – إيرانية محتملة يوجب إستخلاص العبر!
«الثمن يدفعه كل اللبنانيِّين نيابة عمّن راهن على الخارج ومتحوِّلاته فخَسِر»
تقوم الخطة الأوروبية لإعادة الوصل بين واشنطن وطهران على 4 بنود يغيب عنها لبنان
يزداد بإطّراد الحراك الأوروبي لترتيبات الحد الأدنى للعلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية. وكادت الاتصالات التي يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي بلغت أوجها على هامش الإجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من أيلول، أن تثمر فتح خط مباشر بين الرئيسين دونالد ترامب وحسن روحاني. وباتت معروفة قصة الاتصال الذي إمتنع الرئيس الإيراني عن تلقيه من نظيره الأميركي، والخط الهاتفي الذي طلب ماكرون مدّه بين مقر إقامة كل من البعثتين.
في المعلومات أن باريس لن تألو جهدا لترتيب التواصل المباشر، وهي إن فشلت جزئيا في ترتيبه في نيويورك، ستسعى الى تزخيمه في الفترة المقبلة، بعدما لمس الإليزيه عدم ممانعة الطرفين، وخصوصا الرئيس الإيراني. إذ ما كان لتقنيين أميركيين أن يمدوا الخط الهاتفي المباشر لولا وجود موافقة وقبول رئاسي أميركي – إيراني، مع تفهم الإليزيه خصوصية روحاني الذي لم يكن في مستطاعه تلقي الاتصال من دون موافقة القيادة الإيرانية العليا المتمثلة بالإمام الخامنئي.
وبيّنت تطورات الأيام الأخيرة إعتقاد طهران أن الرئيس ترامب يحتاج فعليا الى ذلك الاتصال المباشر، بالاستناد الى مجمل ما يمرّ به داخليا، من مثل الحرب العنيفة التي يشنها عليه الديمقراطيون ربطا بما عُرف بفضيحة الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأميركي والأوكراني وتدخل ترامب شخصيا ليطلب من نظيره فولوديمير زيلينسكي الضغط على النيابة العامة للاستحصال على ما يدين هانتر نجل جوزف بايدن، منافسه في الانتخابات الرئاسية. ولا شك أن الحزب الديمقراطي سيوظّف الاتصال للوصول الى الحد الأقصى الذي يأمله، وهو بدء إجراءات عزل الرئيس.
وربما هذا الادراك الإيراني هو الذي دفع القيادة العليا الى الاعتراض على التواصل مع الاميركيين في هذا التوقيت، لإعتقادها أن حاجة ترامب – الرئاسية تحديدا – تفوق بكثير مكاسبها من هذا التواصل. كما أن طهران لن تعدم فرصة لاظهار انتصارها على الاميركيين، وأنها لم تخضع لضغط العقوبات.
ولا تخرج عن سياق هذا التشدد الإيراني الراهن حيال أي تواصل مع واشنطن والرغبة في إبراز تمدد النفوذ في المنطقة، التوصية الثالثة التي خصصها الخامنئي لدور الحرس الثوري، حيث حذر من «ضياع النظرة الواسعة والعابرة للحدود إلى جغرافيا المقاومة»، داعيا الى «عدم الاقتناع بمنطقتنا أو اختيار 4 جدران فنغفل التهديدات وراء الحدود». وشدد على أن «النظرة الواسعة العابرة للحدود على عاتق الحرس الثوري والعمق الاستراتيجي للبلد، وفي بعض المرات أكثر ضرورة وأوجب من واجباتنا، لكن البعض لا يدركون ذلك». وقال: «من رددوا شعار «لا غزة ولا لبنان» لا يدركون العمق الاستراتيجي».
جدير أن شعار «لا غزة ولا لبنان» كان في صلب حملة الغضب التي خرج بها الإيرانيون إبان «الحركة الخضراء» عقب الاشتباه بالتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح محمود أحمدي نجاد الذي واجه في حينه الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي.
كما تأتي تلك التوصية الثالثة في سياق الرؤية الايرانية القائمة على إعتبار بيروت إحدى العواصم الأربع الواقعة في التأثير الإيراني، وهو ما كرره في الفترة الأخيرة أكثر من مسؤول رفيع في الحرس، مع فارق التوقيت. إذ إن كلام الخامنئي لا يمكن فصله عن الخطة الأوروبية لإعادة الوصل بين واشنطن وطهران، والتي تقوم على أربعة بنود (للمفارقة يغيب عنها لبنان، بخلاف ما يعتقد المسؤولون عندنا!):
أ- تعديل الجدول الزمني لاتفاقية فيينا النووية، بحيث تكون البنود دائمة لا تنقضي مدتها.
ب- إضافة مادة تحدد مدى الصواريخ البالستية التي يمكن لإيران اجراء التجارب عليها.
ج- إنهاء فوري لحرب اليمن، بما يؤدي الى إبطال التوتر في الخليج، وتأكيد حرية الملاحة.
د- تتعهد واشنطن، في الموازاة، رفع كل عقوباتها، ما من شأنه ان يعيد الصادرات النفطية الايرانية من 500 ألف برميل يومياً، الى ما كانت عليه في العام 2016، اي نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً.
واللافت أن قوام التسوية يخلو من أي إشارة الى الحد من توسّع النفوذ الإيراني إقليميا، وهو يعني حكما إخراج لبنان (الى جانب الدول المتأثرة بهذا النفوذ ما خلا اليمن، أي العراق وسوريا وفلسطين) من مندرجات أي صفقة، مما يوجب على المسؤولين اللبنانيين التمعن مليا بما ستذهب اليه الأمور في حال أي اتفاق إيراني أميركي – دولي، وإستخلاص عِبر مخاطر الرهان على الخارج، حيث الثمن يدفعه كل اللبنانيين نيابة عمّن راهن وخسر.