IMLebanon

من شهيد الطائف إلى الشعب الشهيد

 

بدأت الجمهورية الثانية بإغتيال رئيسها الأول رينيه معوّض. كان العماد عون مقيماً في القصر الجمهوري بصفته رئيساً لحكومة موقتة عيّنها آخر رؤساء الجمهورية أمين الجميّل، وكان عليه الإشراف على حسن سير انتخاب رئيس جديد للدولة، إلا أن رفضه إتفاق الطائف قاده إلى رفض الرئيس المنتخب، وعندما جرى إغتياله يوم عيد الاستقلال قبل 32 سنة، تهيأت الشروط اللازمة لتعود القوات السورية وتضع يدها على الجمهورية وكيفية تأسيسها مجدداً استناداً الى وثيقة الوفاق الجديد.

 

قبل 32 سنة سقط رينيه معوّض شهيداً للطائف ومع رحيله ظهر للعلن ان الإتفاق الذي انهى الحروب الداخلية مبدئياً سينفذ بطرق ملتوية بما يناسب سلطة الوصاية واصحاب الحظوة لديها، ومع استمرار هؤلاء في مواقعهم على مدى عقودٍ ثلاثة، وتعاملهم مع الدولة كـ”بقرة حلوب” على قول الرئيس الراحل الياس الهراوي، وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم.

 

دار التاريخ دورة ثلث قرن واعاد لبنان الى ما كانه في نهاية الثمانينات: بلداً منقسماً تتنازعه الميليشيات والاطراف والدول والأقاليم مع فارق وحيد هو ان الإنقسام لا يتم تكريسه بقوة السلاح والمعارك، لأن لا ميليشيات بل ميليشيا، ولا دولة بل اصحاب دولة يعرفون حدود الاشتباك وضرورات فضّه لمصلحة دويلاتهم داخل الدولة المفقودة.

 

في الذكرى 78 لإستقلال لبنان تفرجت الميليشيا على الدولة، والتقى الرؤساء الذين يتمتعون بدعم الميليشيا ضد الدستور والقانون، في ما يشبه حفل عزاء لا في عيد، ليعلنوا عجزهم تجاه القدر الذي فرض عليهم عهداً ينتهي الى كارثة، وحكومة عاجزة عن الإجتماع، ورئيساً لسلطة شرعية شعاره في الحياة: انشالله خير.

 

إنتهى يوم الاستقلال الى تذكيرٍ إضافي بأن الحرية لا تصان بخزعبلات وتسلط منافقي السلطة، وأن الدولة هي دولة دستور وقوانين وليس لها صاحب أو وصي أو بديل ميليشيوي، وأن الإستقلال الذي تحقق في 1943 لم يكن كذبة بل خطوةً جبارة في طريق الطموح الى هذه الدولة.

 

لقد عبّر المهاجرون بتسجيلهم الكثيف للإنتخابات عن هذه الحقيقة، وعبّر اطفال لبنان عن تمسكهم بوطنهم برفعهم أعلامه، وحين لا يجد السياسيون الفاشلون مكاناً للإحتفال غير بيت الجيش، فهذا يعني ان للإستقلال دعائمه التي لا تخفى على أحد: شعب واجيال وجنود ليس لهم شيء إن خسروا وطنهم على طاولة قمار الوصوليين.