IMLebanon

قانون “إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة” سيبقى حبراً على ورق!

 

بانتظار الهيئة الناظمة والمراسيم التطبيقية وتقوية الشبكة وتحديثها

 

 

أقرّت الهيئة العامة لمجلس النواب، في جلستها الأخيرة التي عُقدت بتاريخ 14 كانون الأول، مشروع قانون «إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة». القانون الجديد نصّ على عدد من التشريعات التي تصدر للمرّة الأولى في لبنان لتكفّ يد الدولة وسيطرتها الأحادية على إنتاج الكهرباء محلياً، مع تشجيع الاستثمارات الخاصة ومواكبة التطوّر والاتجاه العالمي نحو الطاقات البديلة والمتجدّدة. ولكن يا «فرحة ما تمّت». فهذا القانون رغم صدوره وإعطائه صلاحيات واسعة، إلّا أنه غفل عن أنه لا يوجد هيئة ناظمة كما تغاضى عن «الترهّل» الذي أصاب الشبكة التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان والتي سيكون لها دور بارز في هذا الإطار، لذلك يُمكن القول إنّ هذا القانون سيبقى «حبراً على ورق» حتى إشعار آخر.

 

أيوب: خطوة بالإتجاه الصحيح رغم تحدّيات قانونية وتقنية تحيط بالتنفيذ

 

يرى الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مارك أيوب أن «القانون الذي يرعى تنظيم قطاع الكهرباء هو القانون 462/2002 لكنه لم يدخل في تفاصيل الإنتاج من الطاقات المتجدّدة، بالتالي يعتبر القانون الجديد أول إطار تشريعي يتناول الطاقات المتجدّدة من (شمس ورياح وطاقة مياه)، ويقونن عملية إنتاج الطاقة المتجدّدة أو بيعها إن كان عبر الشبكة العامة أو عبر القطاع الخاص».

 

ويؤكّد أيوب لصحيفة «نداء الوطن»، أنّ «لهذا القانون إيجابيات، أهمّها أنه خطوة بالاتجاه الصحيح لتأمين الكهرباء للمواطنين 24/24». لكن، في المقابل، لا ينفي أيوب «وجود تحدّيات على المستوى التطبيقي لوضع القانون على السكّة الصحيحة، وهذه هي حال أغلب القوانين المقرّة في لبنان»، لافتاً إلى أن «العمود الفقري للقانون الجديد مرتكز على عاملين اثنين:

 

أوّلاً، مؤسّسة كهرباء لبنان، التي من المفترض أن تكون قوية وقادرة على القيام بدورها. بمعنى أن القانون يتطلّب تواجد شبكة قوية.

 

أما العامل الثاني فتمثّله الهيئة الناظمة لكهرباء لبنان، وهي غير موجودة كونها لم تعيّن بعد مرور 21 سنة على القانون رقم 462/2002. فهناك الكثير من المسؤوليات المنوطة بالهيئة الناظمة، منها وضع تعرفة المبيع وتحديد سعر تبادل الطاقة. والجدير ذكره اليوم أن وزارة الطاقة أطلقت الاتصالات من أجل البدء بأخذ طلبات لتعيين الهيئة الناظمة، وهذا موضوع سياسي وليس تقنياً أبداً، لا سيّما في ظل غياب رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الأمر الذي يؤشر على أن لا تعيين قريباً في الأفق».

 

ويتابع أيوب تعداد التحدّيات، متوقّعاً «أن لا يتمّ تطبيق القانون المذكور في المدى القريب جداً، فهو يعطي فترة سماح لمؤسسة كهرباء لبنان لتجهّز نفسها للتطبيق، وهنا يكمن التحدي حيث هناك علامات استفهام حول كيفية تدعيم المؤسسة والشبكة العامة من خلال إنتاج الكهرباء وتخطّي مشكلة انقطاعها. كذلك، يبدو أن هناك عوائق على مستوى العدّادات الذكية ونقل الكهرباء من منطقة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال في حال إنشاء مركز لتوليد الطاقة الشمسية في البقاع مع نية لنقلها إلى بيروت، هل ستكون للشبكة القدرة على النقل من دون تكبّدها خسائر لأسباب تقنية؟».

 

ويبقى أيوب متفائلاً، مشدّداً على أنه «رغم وجود تحدّيات تقنية وأخرى قانونية تحيط تنفيذ القانون بسرعة وسلاسة، لا يمكننا القول إن ما حصل ليس تطوّراً إيجابياً، بل هذا إنجاز جيد استغرق درسه ثلاث سنوات تقريباً قبل إقراره، اليوم وللمرة الأولى أقرّ ويجب التركيز على التطبيق»، مردفاً «أزمة الكهرباء دفعت بعدد كبير من اللبنانيين إلى اللجوء إلى الطاقة الشمسية أو البديلة، لذا هذا القانون يساعد ويفتح أفقاً جديداً في موضوع الطاقة المتجدّدة. لكنّ التطبيق يبقى مرتبطاً بقرار سياسي، أي أن الإشكاليات ليست محصورة بإقرار القوانين بل بتطبيقها. إلى ذلك، بعد صدور القانون في الجريدة الرسمية سيتمّ البدء بأخذ الإجراءات التي تساعد على تطبيقه. لكن في ظل إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان 500 ميغاواط فقط وانتظارها الفيول العراقي الذي سيسمح لها بتأمين ثلاث ساعات إضافية من التغذية الكهربائيّة، عدا عن التحدّيات التقنية الكبيرة، وعدم وجود فريق عمل مؤهّل للقيام بهذا الدور، توازياً مع الانهيار الاقتصادي، هناك شكوك حول قدرة المؤسسة على تطبيق القانون من دون إصلاحات شاملة تشمل قطاع الكهرباء برمّته. من هنا، تبقى إمكانية تطبيق القانون بشكل عملي ضئيلة. فهناك عراقيل عدة، ومن الممكن أن يبقى حبراً على ورق إن لم تتّخذ كافة الإجراءات لاستكمال مساره».

 

أبي حيدر: له إيجابيات كثيرة جداً… ستبدأ بالظهور عند تطبيقه بالكامل

 

أما الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كرستينا أبي حيدر فتُفضّل الحفاظ على الإيجابية، معتبرةً أن «لهذا القانون أهمية بالغة تنعكس على قطاع الكهرباء والطاقة المتجدّدة تحديداً، خصوصاً أن لبنان لم يقرّ أي قوانين جديدة على صلة بقطاع الكهرباء، باستثناء القانون رقم 462 عام 2002 لتنظيم القطاع والذي لم يطبّق حتى تاريخه، وهو القانون الذي تُنشأ بموجبه الهيئة الناظمة ويسمح للقطاع الخاص بالاشتراك في إنتاج الكهرباء وتوزيعها. السبب الرئيسي لعدم تطبيق هذا القانون رغم كل هذه السنوات هو عدم تعيين الهيئة الناظمة. ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر أي تشريع يخصّ الكهرباء بشكل عام ولا الطاقة المتجدّدة بشكل خاص، مع العلم أننا اليوم نستخدم الطاقة المتجدّدة ونقوم بتعهّدات وطنية، ومن هنا تأتي الأهمية الخاصة لهذا القانون».

 

وتضيف أبي حيدر خلال حديث مع «نداء الوطن» أن «قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة» جاء نتاج سنوات طويلة من العمل وتعود إلى العام 2017، ولا يمكن غضّ النظر عن إيجابياته، منها أنه يحفّز الطاقات المتجدّدة، عبر سماحه للقطاع الخاص بإنتاج وتوزيع وبيع الطاقة المنتجة من الطاقة المتجدّدة بكميات تصل إلى 10 ميغاواط، أي يمكن لأي قطاع خاص آخر الاستفادة. كذلك، بموجب القانون يمكن لأي منزل لديه ألواح طاقة متجدّدة القيام بما يسمّى بـ»التبادل الطاقوي» مع «كهرباء لبنان»، أي وضع فائض الكهرباء المنتجة عبر أنظمة الطاقة المتجدّدة على الشبكة العامة، ويتمّ القيام بجردة شهرية عبر المقاصة ما بين الكميات المستهلكة والمنتجة، وبناءً عليه يدفع المواطن فواتيره ويتقاضى من الدولة بدلاً مادياً عندما يصبح ذلك ممكناً».

 

وتتابع أبي حيدر «يتيح هذا القانون إنشاء أنظمة طاقة شمسية مشتركة بين الأبنية المجاورة مثلاً، أو الجامعات والأبنية السكنية الواقعة ضمن نطاق جغرافي واحد. ويسمح القانون أيضاً للبلديات واتحادات البلديات بإنشاء حقول شمسية وبيع الطاقة المنتجة منها إما بطريقة مباشرة أو عبر القطاع الخاص للقاطنين في النطاق الجغرافي التابع للبلدية، وهذا القرار مهم بحيث تصبح لدى المناطق حقول شمسية تفيد جميع السكان وتساعد على تحقيق العدالة الكهربائية وتأمين التيار على مدار الساعة مخففاً عبء استعمال المولّدات الخاصة الملوّثة والباهظة الكلفة».

 

وتضيف: «حدّد القانون أيضاً أحقيّة الطرفين، أي المنتج والمستهلك، بإجراء عقود شراء مباشرة دون الحاجة الى وسيط أي دون تدخّل الوزارة أو مؤسسة كهرباء لبنان. أما استجرار الطاقة من منطقة الى أخرى فمسموح أيضاً عبر استخدام شبكة مؤسسة كهرباء لبنان وفي هذه الحالة يفرض ما يسمّيه القانون بـ»رسم عبور» يدفعه المستهلك للمؤسسة».

 

بناءً على ما تقدّم، تعيد أبي حيدر التركيز على أهمية هذا القانون كونه «يشكّل خرقاً لاحتكار مؤسسة كهرباء لبنان، يحفّز الاعتماد على الطاقات المتجدّدة ويشجّع استثمارات القطاع الخاص في قطاع الطاقة النظيفة. كذلك، يقرّب القانون لبنان من التعهّدات الدولية الملتزم بها بحلول العام 2023 منها تخفيف الانبعاثات الدفينة المضرّة بالبيئة والصحة بنسبة 30%، وإنتاج طاقة متجدّدة بنسبة 30%، إلى جانب تخفيض استخدام الوقود الأحفوري والاعتماد على المولّدات الخاصة المتواجدة بين المنازل.

 

وأحد أهم العوامل ضمن القانون وفق أبي حيدر هو «إنشاء وحدة إدارية، أي وجود مديرية عامة ضمن مؤسسة كهرباء لبنان تعنى بالطاقة المتجدّدة وهذه سابقة في تاريخ البلد، واللافت التجاوب والتعاون الكبيران من قبل «كهرباء لبنان» ورغبتها في مواكبة التطوّر. وهذا ما كانت تنصّ عليه المسودة الأساسية للقانون، لكن وزارة الطاقة رفعت مسوّدة معدّلة إلى مجلس الوزراء مع خطة الكهرباء في شباط 2022 معطية الصلاحيات كافة لوزير الطاقة منفرداً، ثم جرى تعديله من قبل اللجان النيابية الفرعية والأساسية فصدر بالمسوّدة النهائية التي أقرّ على أساسها وتمّ ربط صلاحية تطبيق البنود والإجراءات المذكورة سابقاً بالهيئة الناظمة. بالتالي، كل النقاط الإيجابية التي فنّدناها أعلاه لا يمكن تطبيقها إلّا بعد إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وهذا الأمر ليس بالشيء السهل فالأسباب سياسية بحت، حتى أن وزارة الطاقة تسعى اليوم لتعديل القانون رقم 462/2002 بهدف نسف الهيئة الناظمة وتجريدها من صلاحياتها».

 

وتختم أبي حيدر «في الخلاصة، على الرغم من إيجابياته وأهميته، يبقى هذا القانون صعب التنفيذ، فتطبيقه مستحيل قبل إنشاء هيئة ناظمة مستقلة صاحبة كفاءة وفق قانون رقم 462 تاريخ 2002».

 

حكيم: 3 مرتكزات لتطبيق القانون غير متوافرة بعد… وستأخذ وقتاً

 

ومن جهتها، تُثني المستشارة القانونية في الشؤون البترولية الدكتورة خديجة حكيم على أهمية القانون، «لا سيّما أنه يأتي ضمن التوجّه العالمي للحدّ من تلوث الهواء والحدّ من انبعاثات الغازات الدفينة، كما أنه يمثل خطوة أساسية في تطبيق التزام لبنان بالشراكة مع الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة بتأمين 30 بالمئة من إجمالي استهلاك لبنان الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدّدة بحلول عام 2030».

 

لكن، وفق حكيم يعتبر «هذا القانون معطلاً أو بالأحرى معلّق التنفيذ، إذ إن تفعيله يتطلّب وجود 3 مرتكزات أساسية: أوّلها، تعيين هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وهي وفقاً لقانون الطاقة المتجدّدة الموزعة هي الجهة التنظيمية والإدارية وجهة الرصد والمراقبة في هذا القانون. علماً أن هذه الهيئة لم يتمّ تعيين أعضائها رغم أن وزارة الطاقة والمياه أطلقت في العام 2022 إجراءات التوظيف لأعضاء فيها، لكن لتاريخه لم يصدر شيء بهذا الخصوص. وبالعودة إلى الدور المنوط بالهيئة وفق أحكام هذا القانون، فالمادة 7 منه تنصّ على أن تتولّى الأخيرة مهمة إصدار الأنظمة والقرارات اللازمة لتطبيق القانون خلال مهلة سنتين من تاريخ صدوره، أي أنه ولو على سبيل الافتراض تمّ تعيين أعضاء الهيئة اليوم، فإن تفعيل تطبيق القانون لن يكون قبل سنتين من اليوم. كذلك، فإن الهيئة موكلة بموجب أحكام هذا القانون بتحديد سقف التعرفات والرسوم العائدة لإجازة الربط إضافة إلى كونها الجهة التي تجيز لمنتجي الطاقة المتجدّدة الذين يستوفون المواصفات الفنية، الربط على الشبكة العامة، وغيرها من المهام التي لا يمكن للقانون فعلياً دخوله حيز التطبيق قبل البتّ بتعيين أعضاء هذه الهيئة».

 

وتتابع حكيم متحدّثةً عن الركيزة الثانية «التي يبنى عليها نجاح العمل بتطبيق هذا القانون، وهي وجود نظام فوترة دقيق ضمن مؤسسة كهرباء لبنان وهو غير متوفر حالياً، إضافة إلى الحاجة لوجود شبكة عامة في مؤسسة كهرباء لبنان قادرة ومؤهلة لدورها في استقبال ونقل الطاقة دون خسائر، وهو الأمر غير المتوافر أيضاً، فالشبكة بحاجة لورشة تأهيل. وبالنسبة إلى الركيزة الثالثة، فإن نجاح تطبيق هذا القانون مرتبط بإصدار عدد المراسيم التطبيقية التفصيلية والفنية والتقنية من أجل تفعيله».