شكّلت الإجراءات الإدارية والمالية التي اتخذتها المديرية العامة للأمن العام بشأن النازحين السوريين هماً إضافياً، وتحوّلت إلى حوار يتردد بينهم: هل توقفت مدة الإقامة؟ هل تمكنت من إيجاد كفيل لك حتى تحصل على تجديد أوراقك؟ هل توفر لك المبلغ المحدد بمئتي دولار عن كل فرد في العائلة تجاوز عمره 15 عاماً؟ هل حصّلت كلفة الأوراق الثبوتية التي تصل إلى نحو مئة ألف ليرة؟
لكن السؤال الأبرز لديهم: ما هي الصفة التي تعطينا إياها الدولة اللبنانية والأمم المتحدة؟ نازحون؟ لاجئون؟ هاربون من الدولة السورية؟
وفيما يبلغ عدد الجمعيات المهتمة بحقوق النازحين 21، إلا أن إجراءات مديرية الأمن العام بحق السوريين منذ مطلع العام الجاري أربكت كل السوريين القاطنين في لبنان وبكل فئاتهم، وقد يستثنى منهم أصحاب الأموال والرساميل لأنهم يتمكنون من تغطية وجودهم. وفرّقت الإجراءات بين السوري الموجود في لبنان وبين أهله في سوريا، فلا هو قادر على زيارتهم لأنها تكلفه غالياً، ولا اهله يمكنهم زيارته لأن الإجراءات صعبة المنال، بالإضافة إلى كلفتها الباهظة بالنسبة إليهم.
يعيش أبو أحمد في لبنان منذ 8 سنوات. قبل معارك القلمون في العام الماضي، دُمّر منزله في مزرعة قرب بلدة عين عرب في القلمون الغربي، وتعرّض الرجل أخيراً لنوبة قلبية، ويحتاج الى عملية تمييل لقلبه، ويؤكد الأطباء أنه بحاجة الى عملية قلب مفتوح. حاول أبو أحمد أن يتابع وضعه الصحي عبر الجمعيات المانحة، فوجد صعوبة كبيرة في تأمين كل متطلبات العملية، ثم فكّر بالذهاب إلى سوريا لإجراء العمل الطبي، إلا أنه اعتبر أن العودة إلى منزله في لبنان مكلفة فبقي مريضاً خوفاً من الإجراءات.
ومن مآسي الضغط المستجدة على النازح السوري، ان احدهم طلب من صاحب المنزل الذي يستأجره ان يؤمن له قيود المنزل كي يتمكن من إكمال ملف أوراقه الثبوتية لتجديد اقامته السنوية، فما كان من صاحب المنزل إلا ان طلب منه ان يدفع رسوم القيمة التأجيرية عن منزله للبلدية عن سنوات عشر مضت. لم يتمكن المواطن السوري من ذلك، فقرر التوقف عن إكمال إجراءاته، وهو الآن معرّض للملاحقة القانونية عند توقيفه على أي حاجز أمني.
وبلغت المأساة بأن طالب أحد ركاب حافلة عمومية عناصر الحاجز الأمني بأن يأخذوه إلى السجن، قائلاً: «أنا سوري ما معي أوراق ولا إقامة. كنت أسكن في خيمة مزّقتها العاصفة الثلجية الأخيرة. أنا أمامكم أرجوكم ان تدخلوني السجن، علني أجد مأوى عندكم». أما ابو ابراهيم، وهو من مدينة الزبداني، فدمرت الحرب منزله وقتل له شقيقان وابن شقيق، وتمكن من الهرب الى لبنان عبر الجبال، ولديه عائلة من خمسة أفراد.
حاول أبو ابراهيم أن يتقدم بما لديه من اوراق ثبوتية علّه يحصل على وجود شرعي يقيه من الملاحقة، إلا أنه تفاجأ بما طلب منه من أوراق وكفيل وبدل إقامة، تبلغ كلفتها نحو مليوني ليرة. يسأل أبو ابراهيم: «كيف لنازح يعيش على الحصة الغذائية أن يتمكّن من توفير بدل إيجار منزل ومصروفاته اليومية، وبدل إقامة!؟».
ومن المعاناة التي يواجهها النازح السوري في الفترة الأخيرة، تكمن بأنه فُرض عليه القيام بتعهد لدى الكاتب بالعدل بأنه لن يقوم بأي عمل مأجور طيلة مدة إقامته في لبنان، وأن الاموال النقدية التي لديه كافية لتغطية مصاريفه المعيشية كافة طيلة مدة إقامته في لبنان. وسط ذلك، يُطرح سؤال أساسي: ما هو عدد النازحين السوريين، من بين المليون والنصف نازح، الذين يمكنهم التقيد بمضمون هذا التعهد، وما هي الإجراءات التي ستتخذ بحقه إذا خالف نصوصه؟
ويبدو لافتاً للسوريين في لبنان أن النازحين في عرسال معفيون من الرسوم السنوية، الأمر الذي أدى إلى لجوء بعض النازحين في مناطق لبنانية للذاهب إلى عرسال علّهم يحصلون على أوراق تعفيهم من الرسوم الجديدة. ويطالب السوريون الذين التقتهم «السفير» الأجهزة المعنية في الدولة اللبنانية، بأن يتم إعفاؤهم من الرسم السنوي، والأوراق الخاصة بأصحاب البيوت المؤجرة للنازحين والكفيل، خصوصاً أن معظم ملكيات البقاع إرثية ولا تحظى بالشرعية، الأمر الذي يضطر صاحب المنزل أو النازح للبحث عن طريقة تزوير للمستندات.
ويطالب النازحون الدولة اللبنانية بإجراء تسهيلات تؤمن لهم الدخول إلى سوريا والعودة منها في الحالات الاضطرارية، وتخفيف الإجراءات المتعلقة بزيارة السوري إلى أقاربه في لبنان ضمن فترة زمنية محددة، مع الإشارة إلى أن كلفة دعوة سوري لزيارة لبنان تتجاوز أربعمئة الف ليرة، بالإضافة إلى ضرورة وجود أوراق ثبوتية تتعدّى أوراقها 82 صفحة.