لا يمكن اعتبار ما يحصل على الساحة المسيحية أمرا عابرا ، فالتراجع المسيحي على مستوى السلطة وصل الى مستويات مخيفة، بدءا من الشغور في بعبدا الذي يتمم عامه الثاني بعد شهرين، مرورا بـ “صدمة” توقيف حاكم مصرف لبنان الذي يشغل الموقع الماروني الثاني في الدولة بعد رئيس الجمهورية ، وقد انتقلت صلاحياته الى الحاكم الشيعي بالإنابة، وسط مخاوف ان لا تشمل المحاسبة أسماء أخرى، وصولا الى ما يجري في اليرزة، حيث تدور ام المعارك بين وزير الدفاع وقائد الجيش، وسط انقسام مسيحي حاد بين التمديد والتجديد للقيادة العسكرية الحالية، مما يطرح تساؤلات حول المستقبل، وإذا كان المسيحيون على وشك خسارة السلطة وفقدان ما تبقى من مواقع مارونية في الدولة المنهارة والمفككة.
ومع ان ما يحصل اليوم من فراغ كان متوقعا، فالهواجس موجودة أصلا، لكن الأمور دخلت في مرحلة حرجة ودقيقة، تقول مصادر مسيحية متابعة ، فمصير الحاكمية بعد توقيف رياض سلامة على المحك، والشغور مرشح ان ينتقل من بعبدا والحاكمية الى قيادة الجيش.
واشارت المصادر الى ان الوضع المسيحي من دون شك يسبب قلقا عارما في الوسط السياسي والشعبي المسيحي ولدى القوى مسيحية، يتقدمها بكركي التي تدق ناقوس الخطر كل فترة، وتطلق نداءات متكررة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. ويحتل موضوع الحاكمية اهتماما لدى بكركي، التي سألت عبر قنوات خاصة عن قضية حاكم مصرف لبنان، وهي تتابع المسار القضائي. وينقل عمن يلتقيهم الكاردينال الراعي قلقه على وضع قيادة الجيش، وهواجس كثيرة من الاختلال الديمغرافي، نتيجة الهجرة والبطالة والأوضاع الأمنية وانفجار مرفأ بيروت الذي دمر منطقة مسيحية، هذا عدا الهواجس الكبيرة من تزايد أعداد النازحين السوريين بشكل مخيف، وسط تجاهل المجتمع الدولي .
واذا كانت بكركي تطرح الصوت كل يوم أحد، فان الكرسي الرسولي ليس غائبا عن الازمة اللبنانية، تؤكد المصادر، وهو يتابع الوضع عن كثب محاولا تقديم حلول. وفي هذا الإطار أتت زيارة وفد أهالي ضحايا مرفأ بيروت في السادس والعشرين من شهر آب الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، مما يدل على اهتمام الكرسي الرسولي بقضية المرفأ، ومطالبته تحقيق العدالة وكشف الحقيقة. فمن الواضح ان البابا فرنسيس يولي إهتماما استثنائيا للوضع اللبناني، وهو أوفد أمين سر الدولة الكاردينال بيترو بارولين قبل شهرين الى لبنان لمعاينة الوضع المسيحي، ووضع تقرير عن الحالة اللبنانية بعد وصول معلومات مقلقة الى الفاتيكان عن لبنان، واحتمال تدحرج الأمور من السيء الى الأسوأ ، وكان العنوان الأساسي لقدوم الموفد الرسولي النقاش والبحث في حلول للأزمة اللبنانية وفق الإمكانات المتاحة.
ووفق المعلومات التي وردت في التقرير الفاتيكاني، هناك انطباعات سلبية في ما يتعلق بالأزمة الرئاسية، وتزايد الخطر على الكيان والوجود المسيحي في لبنان، مع استمرار الفراغ في بعبدا والتهديدات “الإسرائيلية”، ومع تفاقم المشاكل في المجتمع المسيحي، وتراجع الحضور على مستوى الدولة، وهجرة الشباب المسيحي ومخاطر التغيير الديموغرافي.
لدى الكرسي الرسولي تفاصيل ومعلومات، فما عاينه موفدها الى لبنان كان صادما وتجاوز الفكرة العامة للفاتيكان عن الأزمة اللبنانية، فانتخاب رئيس للجمهورية دونه عقد محلية وداخلية تتداخل مع العقد الخارجية، والأسوا من ذلك هو الانقسام السياسي وتشرذم المسيحيين واستمرار تناحرهم وتنافسهم على السلطة، وعلاقة القيادات المسيحية مع بعضها وحجم التباعد بين الزعامات المتصارعة على السلطة، في حين ان هذا التشرذم لدى المسيحيين يقابله جبهة متراصة لدى الثنائي الشيعي في الملفات الداخلية الأساسية وعلى الأخص الملف الرئاسي، فيما تشهد الساحة المسيحية انقساما حادا وتقلبا في الخيارات الرئاسية.