مع انقراض القرّاء مبادرتان تشجعان المطالعة بكلفة معقولة
يُقال إذا أردت أن لا يسرق منك شيء، ضعه في كتاب فهذه الأمة لا تفتح كتاباً، ورُبما لأسبابٍ خارجة عن إرادتها لعلّ أبرزها تجلى مؤخراً بغياب معرضي الكتاب العربي والفرنسي اللذين يعتبران درّة المواعيد اللبنانية، التي يتلاقى خلالها جمهور الناس من الكتّاب إلى أصغر تلامذة المدارس، بعد أن طُلب من الناشرين أن يدفعوا للحصول على أجنحتهم بالدولار، وهو ما ليس متوفراً، لكن مهما ابتعد اللبنانيون عن القراءة فإنهم يعودون إليها مرة أخرى، وبأساليبهم الشبابية المبتكرة.
من المبادرات اللافتة مبادرة “إستعر كتاباً rent a book” التي تمكّن القارئ من قراءة كتب أكثر بكلفة أقل مع الإبقاء على خدمة البيع متاحة، خدمة تستند عليها المبادرة الثانية “كلمة ع الطريق” عبر عربة حمراء متنقلة تنشر العلوم والمعرفة بين المارة.
هكذا مشروع للشباب ناجح وحلو جداً للمجتمع، فهو يدعو الناس للعودة الى الكتاب وللقراءة والعلم وهذا الاساس مهما شاهدنا على شاشات التلفزة ومهما كان ما نسمعه عبر الإذاعة، أو ما نتابعه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فلن يضاهي العلم الذي تعلمناه من الكتاب” تقول إحدى زبونات الـ” توك توك ” الذي حوّله الأخوان علي وحسين الموسوي الى مكتبة متنقلة لبيع أهم الروايات المحلية والعربية والعالمية ( ومن بينها لديستوفسكي وباولو كويلو ونجيب محفوظ ) في بعض مناطق الضاحية الجنوبية، خصوصاً في محيط جسر بئر العبد، لجذب محبي القراءة.
القراءة سنة التكوين
العربة الحمراء، المكتبة المتنقلة التي تحمل على رفوفها ما يزيد عن 500 كتاب متنوع ما بين كتب دينية وثقافية وفلسفية وتنمية ذاتية، تحولت إلى مقصد للباحثين عن الروايات باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية ليس في الشارع وحسب بل عبر صفحتها على الفيسبوك التي أنشأها الطالبان الجامعيان، وبات يزورها يومياً قراء من الفئات العمرية كافة، ما شكّل حافزاً لديهما للسير قدماً بالمشروع.
ويؤكد علي في حديث لـ”نداء الوطن”: أسميناها “كلمة ع الطريق”، بهدف تشجيع الناس على قراءة الكتب بدلاً من الوصول إلى المعلومات بسهولة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومبادرتنا رؤية ثقافية- حضارية لشعب يحب القراءة، لكن الظروف الإقتصادية والمعيشية والمالية ربما دفعته للتراجع عنها حالياً، إلا أنها تبقى سنة التكوين لأنها ضرورة عقلية تتحقق بتلبيتها متعة عظيمة”.
نشر الثقافة ومدخول متواضع
بابتسامة يستوقفك أحمد ع.(أحد الزبائن): “عبر التاريخ ومنذ أكثر من 2000 سنة، الكل يتعلم عبر الكتاب، الفكرة تخلق التفاعل الثقافي المباشر بين البائع والزبون وهذه المكتبة يجب أن تكون موجودة في كل بيت، وأنا أُفضل قراءة الكتاب ورقياً، وليس عبر الـ online، والإحتفاظ به في مكتبتي بهدف زيادة رصيدي من الكتب القيمة، إنها فكرة رائعة تحث على القراءة”.
وعلى الطريقة اللبنانية فإن خدمة الدليفري جاهزة لأي كتاب يطلبه القارئ عبر “كلمة ع الطريق” حيث لا يزال عاشقا قراءة الكتب يقرآن معظمها “هذا ما يساعدنا على التجاوب أكثر مع الزبون وأسئلته، وتقديم النصيحة بكتابٍ معين إذا ما طلبها، فالهدف الأساس هو نشر الثقافة على أنواعها بين المارة، وثانياً تأمين مدخول متواضع كي نتمكن من استكمال مسيرتنا التعليمية الجامعية” يعلق حسين بإسلوب الشاب اللبناني الواثق من نفسه.
كتبٌ خفيفة بصفحاتها ولكنها عميقة بمفاهيمها ومحتوياتها وأفكارها، ولكن يبقى الأفضل من الكتاب الجيد هو القارئ الجيد، خلاصةٌ توصل إليها الأخوين الموسوي في تجربتهم الثقافية المستمرة والتي انطلقت بدايةً من خلال “بسطة”على الرصيف، ومن ثم عملا على نيل الموافقة من بلدية حارة حريك لاستعمال التوك توك لعرض رصيدهما من الكتب “تجمعنا علاقة بالعديد من دور النشر، ونعرف كيف نحصل على حسومات منها على الكتب وهذا ما ساعدنا كي ننطلق ونستمر، وكي تنهض أمة أو كي ينهض شعب لا حل له إلا بالقراءة” يشير علي.
إسأل الكتاب وليس غوغل
“عندما نحلم بشيء، فإن الكون بأسره يطاوعنا على تحقيق حلمنا” عبارةٌ كانت كافية لاستنهاض همة الشابة منال الدسوقي أثناء قراءتها كتاب “الخيميائي” لباولو كويلو للتفكير جدياً بمبادرةٍ شبابية ترتكز على تشجيع اللبنانيين على القراءة أكثر وأكثر فكان شعار “إقرأ كتابك” لمبادرتها إستعر كتاباً (Rent a book) بأقل من نصف سعره، التي أبصرت النور في تموز 2018″.
وتضيف في حديث لـ”نداء الوطن” نجحت في تحفيزي اللبنانيين على القراءة وبكل فئاتهم العمرية بعدما لاقت الفكرة الكثير من الإقبال والاستحسان من القراء داخل العاصمة بيروت، علينا تشجيع أولادنا والجيل القادم على أنه عندما نريد أن نعرف شيئاً معيناً don’t ask google, open a book بعد أن باتوا يلجأون الى غوغل في كل شيء”. وتتابع: “محبو القراءة لا يزالون نشطين وهذا ما رصدته قبل إطلاقي الصفحة، يتابعون بتعليقاتهم وبنقدهم البنّاء للكتب، وتهمهم معرفة الكتب الجديدة في الأسواق”، كاشفةً أن البعض حاول إحباطها بتأكيده أن القراء “إنقرضوا في يومنا هذا، إبحثي عن فكرة أخرى” لكنها بقيت متمسكة بفكرتها التي تقوم على إيصال الكتاب للزبون ومن ثم إستعادته في الوقت المحدد.
تجارب فريدة مع الكتاب
بدورها توضح داليا أحمد (30 سنة، صديقة الدسوقي): “عندما علمت بالفكرة، تبرعت بحوالى 15 كتاباً لها بعد أن انتهيت من قراءتها، تشجيعاً لها وإفساحاً في المجال لغيري من القراء لقراءتها وبالطبع هكذا تكون الإستفادة مزدوجة”. وبالإضافة إلى الروايات التي كانت بحوزتها باللغتين العربية والإنكليزية والتي شكلت الإنطلاقة للدسوقي تحتوي مكتبتها أيضاً على كتب للأطفال و self helping books وكتب دينية وknowledge masters ومعلومات عامة، مع لجوئها إلى شراء الكتب غير المتوافرة لديها والتي يطلبها القراء عبر الفيسبوك أو من خلال رقم الهاتف المخصص للصفحة لتبقى أيضاً في رصيد مكتبتها، وتدور في فلك الإستئجار أو البيع”.
وكما الأخوين الموسوي تقوم الدسوقي بقراءة العدد الأكبر من الكتب لتتمكن من الإجابة على اسئلة القراء أو لتقديم النصيحة لهم حول كتاب معين، واليوم وبعد الكثير من التجارب التي خاضتها عبر صفحتها على الفيسبوك بدأت الدسوقي بتجربة فريدة من خلال قراءة قصص للأطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة بالتنسيق مع نادي “مكاني” في عرمون، واصفة التجربة بالمميزة جداً “شجعت هؤلاء الأطفال على الإنخراط في المجتمع وفي عالم القراءة”.
ورداً على سؤال تجيب الدسوقي: “زوجي هو الداعم الاول لي، وعائلتي وأصدقائي وأقاربي بالدرجة الثانية، وأقوم بتنزيل التعريف الخاص بكل كتاب على صفحة rent a book والموضوعة من قبل كاتبه أو من دار النشر، وأقوم بتأجير الكتاب بأقل من نصف سعره الحقيقي لمدة تتراوح بين 10 و15 يوماً، مدة قابلة لتمديدها أياماً قليلة.
