Site icon IMLebanon

إرهاب بالإيجار

هزّني جداً استشهاد الضابط المصري الرائد عماد الركايبي الذي قضى وهو يحاول منعَ الانتحاريّ من الدخول إلى الكنيسة المرقسية. لو فكّرَ بواجبه المهني لربّما جبنَ وتراجَع وتركَ الكارثة تكبر داخل الكنيسة. لو فكّر بالنجاة من أجل زوجته وابنِه، لوَجد طريقةً للتهرّب. لكنّه قرّر اقتحام الخطر، فاستقبل الموت، شهيداً شاهداً ، وأعطى للتضحية معنى جديداً.

قضى شهداء الكنيستين، من دون إرادتهم. في يوم الشعانين وسعف النخل، قرّر إرهابيان مأجوران، أن يؤجّرا جسديهما، لمن لا نَعلم من هو، أو لمن نعرف أنّه جالس الآن يضحك سعيداً، يراقب الأشلاءَ الحمراء بالدماء، مستعدّاً لاحتلال الشاشات ليقول: عودوا إليّ أيّها الخائفون من الإرهاب وأنا أريحكم.

بالقمع أريحكم، ببعض البراميل، بسحلِ المدن، برائحة السارين، بالسجن الكبير الذي هو النموذج لسجون وسجون، وشجون لو يكتب ما حصل ويحصل في ظلامها، لانشقَّ حجاب الهيكل.

إرهابيان زنّرا جسديهما بحزامين ناسفين، إرهابيان يعملان بالإيجار، كالبندقية المأجورة إياها، التي لا يملك من يُمسكها قرارَ فتحِ النار.

إرهابيان، موصولان إلى أجير، موصول هو الآخر إلى أمير، ندري ولا ندري، هل لحيتُه المزيّفة، هي قناع يغطّي مَن جنَّده ووَظّفه وموَّله وأعطاه الأمر، والأخير هو صاحب القرار، والأهداف يعرفها وحده، ولا يدركها حامل الحزام الناسف.

تتوقّف التحقيقات دائماً عند الغلاف الأوّل، وتُرمى بحقّ مجهول، ويصبح الحزام الناسف المتّهمَ الوحيد.

أليس غريباً على سبيل المثال لا الحصر، أن يتمّ تفجير كنيسة القدّيسين، في عهد الرئيس السابق مبارك، ولا يُعرف الفاعل الحقيقي، ليس القصد هنا وضع العبوةِ أو من فجّر نفسَه.

أليس غريباً أن ينحصر عمل هذه الجماعات في سوريا مثلاً على قتال المعارضة دون النظام، النظام نفسه الذي أخرَج رؤوسَ الإرهاب من سجونه.

أليس غريباً أن تستمرّ إيران بإيواء أبناء أسامة بن لادن وقيادات القاعدة.

أليس غريباً أن تقتل المخابرات الأميركية زعيم تنظيم طالبان على الأراضي الإيرانية، فيما كان يزور عائلته المحميّة في إيران.

أليس غريباً أن يتنقل الزرقاوي على ضفّتي الحدود العراقية الإيرانية قبل أن يقتل.

أليس غريباً أن ينفّذ الاميركيون غارة كومندوس على البوكمال ويقتلون أبرز قيادات القاعدة، فيما كان يعيش آمناً في سوريا.

هو إذاً إرهاب بالإيجار. مَن استأجَر هؤلاء ليقوموا بكلّ ما يقومون به. من يموّلهم، من يخطّط لهم، من يحدّد لهم الأهداف، والتوقيت.

من يساعد السرطان على التمكّن من جسد العرب والمسلمين، ومن يوجّه خلاياه.

لقد بلغَ الإرهاب بالإيجار مداه الأخطر والأعنف. بات الأقوى، لا بل بات من يحرّكه الأقوى. من يحرّك هذا الإرهاب قادر بانتحاري فارغ الرأس والقلب والعقل، على التأثير في الانتخابات الرئاسية لفرنسا وأوروبا وفي أيّ بلد في هذا العالم.

من يستأجر الإرهاب، قادر على ارتكاب جرائم حرم وإبادة كي يحافظ على الكرسي الموروثة.

من يستأجر هذا الإرهاب قادر على وضعِ شعبِه في سجن مستدام، قادر على أن يقدّم نفسه، على أنه الحلّ الدائم وإلى الأبد.

من يستأجر هذا الإرهاب قادر بانتحاري أو أكثر على تزوير إرادة شعب واعتقال أحلامه.

يا أيّها الشهداء المصريون الأقباط. كنائسُكم تُستهدف لكنّها ليست جُزراً معزولة وسط هذا العنف المجنون.

ليست دماؤكم التي تُستباح، إلّا لوناً أحمر يصعب تمييزه في نهر الدم المتدفّق.

خيارُكم الوحيد النهوض من الأحزان، والدفاع عن السلام، لا بل المشاركة في بنائه، مع إخوة لكم قاسوا كما قاسيتم.

السلام يُبنى بإرادة شجاعة، ورؤية لا يَحجبها ضباب القتل والعنف. تماماً كما نادى المعلّم الأول.

قد تسألون أنفسَكم، لماذا نكون وحدنا كبشَ الفداء. أنظروا حولكم فتروا أنّ مأساتكم لها أخوات كثيرة، أشدّ هولاً، وفظاعة.

السلام لكم والسلام عليكم، في الطريق إلى تحقيق السلام.