IMLebanon

هل تُعالج مشاكل العقود حبّياً؟

 

 

الإيجارات أزمة للمستأجر… وبعض المالكين بات من الأكثر فقراً

 

الحمد لله رضي المالك بمبلغ 600 ألف ليرة الشهر الماضي بعد أن كان يقبض 450 ألفاً إيجار الشقة من دون اعتراض، ما يعادل 300 دولار على سعر الصرف الرسمي، واليوم لم يعد يرضى القبض إلا بالدولار أو بمليون و200 الف ل.ل.، يوضح بلال ط. (37 عاماً، سائق تاكسي). الإشكالية الحاصلة مع المالك تامر ر.(51 عاماً) في إحدى ضواحي بيروت، والذي يؤكد أن الإيجار فقد قيمته كثيراً، وأن عليه أعباء ومسؤوليات، فيما يرجح بلال إخلاء الشقة خلال أقل من شهرين، في ظل ارتفاع سعر الصرف “العيش في الضيعة أشرف لي ولعائلتي”.

 

يبدو أن مشكلة الإيجارات الآخذة في التفاقم منذ حوالى 4 أشهر وتحديداً حين بدأ سعر الصرف بالإرتفاع لا تميز بين منطقة وأخرى، فتدني قيمة العملة وفقدان الرواتب وبدل الأتعاب قيمتها والغلاء الفاحش لمعظم إحتياجات المواطن اليومية، عوامل تنعكس ظلماً على المالك والمستأجر سوياً، وهذا ما تعكسه الحال التي يتخبط بها التاجر علي ب. (41 عاماً) بعد أن طالبه صاحب المحل الذي يشغله بدفع الإيجار البالغ 500 دولار بالعملة الخضراء، أو ما يساويه في السوق الموازية مع التقشف الذي بات يعيشه اللبناني، “فإن إجمالي مبيعاتي من الألبسة لا يتعدى المليونين ونصف المليون شهرياً، إضافة الى متوجباتي الشهرية وبالطبع لا يمكن الإستمرار وفق شروطه”.

 

إتفاق حبي أو الإنتظار

 

وفي هذا السياق يُعلق الدكتور المحامي محمد طلال شامي في حديثٍ لـ”نداء الوطن”: “في مثل هذه الحالات، وبما يتعلّق بعقود الايجار المُتفق على تسديد بدلاتها بالدولار الأميركي، إن لم يصبر المالك قليلاً على المستأجر، أو إذا لم يتوصل الفريقان إلى اتفاق “حبي” (وهذا ما يحصل في بعض الحالات)، فعلى المالك إنتظار فتح المحاكم أبوابها ليرفع دعوى، وعندها نلزم المُستأجر بالدفع بالدولار تحت طائلة الاخلاء”.

 

ويتابع بأن بنود العقد المتّفق عليها بإرادة حرّة وواعية ملزمة لأطرافِ العقد، وأيّ تعديلٍ يجب أن يتمّ بتوافق الفريقين المتعاقدين، لكن في الواقع إن معظم عقود الايجار متفق على تسديد بدلاتها بالدولار الاميركي من دون ذكر إمكانية التسديد بالعملة الوطنية، لافتاً إلى أن نظرية الظروف الطارئة تجيز للقاضي إعادة التوازن للعقد، لكن المشترع اللبناني لم يعالج تلك النظرية وتطرق إليها فقط في العقود الإدارية، لذلك وبغياب النَّصِّ الصَّريح يجد القاضي نفسه مقيداً بمضمون العقد وينحصر دوره بتطبيق النصوص القانونية وتفسيرها فقط، والفقه مجمع على ذلك.

 

 

قوانين ترعى العلاقات التعاقدية

 

وبالطبع تكثر الأسئلة التي تُطرَح في هذا المجال، من بينها: هل المستأجر مُلزم بدفع قيمة بدلات الايجار بالدولار فقط من دون العملة اللبنانية؟ وهل قانون النقد والتسيلف يُلزم المالك إستلام بدلات الايجار بالعملة اللبنانية تحت طائلة الحبس عند التمنع؟ وهل يوجد نصٌّ قانونيٌّ يتيح للقاضي تعديل العقد وإعادة التوازن اليه؟

 

للوقوف على الأجوبة على هذه التساؤلات، لا بد أن نستعرض نصوص قانون النقد والتسليف، ومواد القانون المدني، التي ترعى العلاقات التعاقدية وموقف الفقه والإجتهاد في هذا المجال.

 

فقد نصت المادة 7 من قانون النقد والتسليف على أن “العملة اللبنانية لها قوة إبرائية في الأراضي اللبنانية”. كما نصّت المادة 192 من القانون ذاته على أنّ “من يرفض أو يمتنع عن قبول الليرة اللبنانية يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات سنداً للمادة 319 من قانون العقوبات”.

 

وهنا يشرح شامي: “هذه النصوص يتمسك بها بعض القانونيين للقول أن المؤجر ملزم باستلام بدلات الايجار بالعملة اللبنانية، لكننا نُخالفهم الرأي على أساس أنّ العقد شريعة المتعاقدين، حيث نصّت المادة 166 من قانون الموجبات والعقود اللبناني على أن “للأفراد أن يرتّبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون”، كما نصّت المادة 221 من القانون ذاته على أن: “العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين، ويجب أن تُفهم وتُفسّر وتُنفّذ وفقاً لحسن النية والإنصاف والعرف”.

 

سعر موحد في القبض والدفع

 

بدوره يشدد رئيس نقابة المالكين والأبنية المؤجرة باتريك رزق الله على أنه ومنذ ارتفاع سعر صرف الدولار ووصوله الى 4000 ليرة، بالإضافة إلى التضخم الكبير في أسعار السلع، بلغت خسائرنا الـ300% من القيمة الرائجة للبدلات في الأبنية السكنية وغير السكنية”، موضحاً أن “معظم إيجاراتنا بالعملة الوطنية أو بما يوازيها، أما مَن كان إيجاره بالدولار فيعمد حالياً إلى التمنّع عن الدفع بهذه العملة، بحجّة الظروف الراهنة، وهذه مأساة بحق المالكين”.

 

وإذ يرى أن المطلوب اليوم هو سعر موحّد في القبض والدفع، كي يستطيع المالك الالتزام بمسؤولياته المعيشية تجاه عائلته، يضيف أننا “بحاجة وبشكل ملح إلى صدور قانون جديد من المجلس النيابي لتحرير الإيجارات غير السكنية القديمة، بعد أن أصبحت البدلات فيها شبه مجانية”، معطياً مثالاً بأن الـ50 ألف ليرة أصبحت 12 دولاراً تقريبا شهرياً. وبالقياس مع مؤشر العائلات الأكثر فقراً نرى أن المالك يتقاضى 12 دولاراً شهرياً في “السكني”، من المستأجرين الذين يستغلّون ثغرة اللجان وضعف إمكانيات المالك للدخول في نزاع قضائي، وفي “غير السكني” في ظلّ تمديد القانون القديم، ما يعني أقلّ من دولار يومياً. فبماذا نصِف المالك والحالة هذه؟ الأكثر فقراً؟ أو المُعدَم؟

 

أمّا في ما يتعلق بالإيجارات السكنية التي تخضع للقانون الجديد تاريخ 2014/5/9 والمعدّل تحت الرقم 2017/2، فيناشد رزق الله رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود تفعيل اللجان بشكل عاجل، كي نجنّب المالكين والمستأجرين والمحاكم كلفة النزاعات القضائية.

 

قانون معقّد

 

من جهته يؤكد رئيس تجمّع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات المحامي أديب زخور، أن مشروع تعديل قانون الايجارات بات في عهدة لجنة الادارة والعدل، مطالباً اللجنة بالأخذ بكل التعديلات، لأنه وفي حال الأخذ بها جزئياً ستتسبب اللجنة بكارثة مماثلة لتلك التي حصلت في قانون تعليق المهل الاخير، عندما استثنت قانون الايجارات منه.

 

ويشير زخور إلى أن قانون الايجارات معقد ويتضمن مهلاً وحقوقاً سقطت، وإلى أن هناك فارقاً في العملة (بسبب سعر الصرف) وهناك أناس لا يملكون المال، وآخرون أموالهم محجوزة، وهناك أزمة فيروس كورونا، مستدركاً بأنه في حال لم يتم تعديل قانون الإيجارات بشكل متوازن في لبنان، سيتعرض مليون مواطن للتهجير، وانا غير مطمئن حيال نظرة اللجنة الى التعديل الذي تقدمنا به.

 

ودعا زخور مع لجان المستأجرين، رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بتصحيح التناقض في قانون “تمديد عقود ايجار الاماكن غير السكنية”، مبدياً استغرابه لنشر قانون تمديد عقود إيجار الأماكن غير السكنية في الجريدة الرسمية في 21 من شهر أيار، والذي نص في المادة 1 منه على تمديد هذه العقود سنة من تاريخ صدوره، اي تمدد العقود عملياً الى تاريخ 21 ايار 2021، بينما المادة 2 منه تنص على العمل به من تاريخ 1/1/2020، مما يحمل تناقضاً بين المادة 1والمادة 2 من القانون.