Site icon IMLebanon

قانون الإيجارات.. يَرضَى القتيل ولا يَرضَى القاتل!

أن تكون مواطناً في جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحرّيات والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بلا تمايز أو تفضيل وفقاً لأحكام الفقرة (ج) من مقدّمة الدستور فهذا أمر مؤكّد، وأن يكون النظام الاقتصادي الحر كافلاً للمبادرة الفردية والملكية الخاصة وفقاً لأحكام الفقرة (و) من مقدّمة الدستور فهذا أيضاً أمر مؤكّد.

أن يكون جميع اللبنانيين سواءٌ لدى القانون يتحمّلون الفرائض والواجبات العامة بلا فرق بينهم، فهذا أيضاً أمر مؤكّد وفقاً لأحكام المادة /7/ من الدستور. وأن تكون الملكية في حمى القانون ولا يجوز نزع الملكية إلّا لأسباب المنفعة العامة وبعد التعويض تعويضاً عادلاً، فهذا أمر مؤكّد أيضاً وفقاً لأحكام المادة /15/ من الدستور.

أمّا أن يكون هناك مواطن يتّخذ مبادرة فردية فيقرّر الاستثمار في وطنه ويشيّد عقاراً يوقّع عليه عقود إيجار قبل العام 1992، ليصبح عقاره مستملكاً بطريقة غير مباشرة من دون تعويض عندما مُدّدت هذه العقود بقوّة القانون الجائر، الذي قيّد ملكية المالك تاركاً له أن يتقاضى بدلات لا تكفي أحياناً لتصليح قسطل مياه، بحيث أصبح المالك فقيراً عاجزاً يمرّ بظروف اقتصادية واجتماعية كارثية قد تدفعه للهجرة أو لبَيع ملكيته مكرَهاً بسبب قانون الإيجارات الإستثنائي القاتل.

وتجد مواطناً آخر يتّخذ مبادرة فردية فيقوم بتشييد عقار يدرّ عليه في السنة الواحدة عشرات الآلاف من الدولارات جرّاء عقود الإيجارات التي وقّعَها عليه بعد العام 1992 (ولا نتمنّى لهذا المالك أن تصادر ملكيته بطريقة غير مباشرة بموجب قانون ما)، وفي المقابل هناك مالك يؤجّر سنوياً عقاراً ملاصقاً له ببضعة مئات الدولارات كحدّ أقصى ليس إلّا لكونِه وقع فريسة قانون الإيجارات الجائر الصادر في 23/7/1992.

فكيف تطبّق المساواة بين المواطنين عندما يكون هناك مستأجر إكسترا يدفع ماية دولار أميركي بدل إيجار شقّة سكنية لمدّة عام، وآخر يدفع عشرون ألف دولار أميركي كبدل إيجار لشقّة سكنية مماثلة في المنطقة عينها؟

فهل هذه هي المساواة بين المواطنين؟ وإذا كانت ظروف الحرب الأهلية فرضت إقرار قانون الإيجارات الإستثنائي الجائر وفرضَت تمديد هذه العقود لمنع تهجير المستأجرين كما قيل، وقد استمرّت أحكامه مطبّقة حتى هذه الساعة، لكنّ الطامةَ الكبرى كانت في تمديد أحكامه لمدّة تسع سنوات إضافية بموجب التعديل على القانون الجاري في 9/5/2014 بحيث يستمرّ المالك أسيراً لهذا القانون لمدّة تفوق الخمسين عاماً دون أي تعويض عليه بصورة عادلة ومن دون أيّ مبرّر قانوني!

وأن تشجّع الدولة المستأجرين على التعسّف في استعمال الحقّ والمطالبة باستمرار تمديد هذه العقود واستمرار دفع بدلات متدنّية وإرهاق المالك بدعاوى لا طائل منها وإرهاق القضاء اللبناني بدعاوى لا تجد لها مثيلاً في أيّ نظام قضائي آخر، لا سيّما في أيّ دولة تحترم حقّ الملكية وتصونها فهذا أمرٌ مستهجَن أيضاً!

وأن تشجّع الدولة المستأجِر الذي وقّعَ عقدَ إيجار قبل العام 1992 على التظاهر والتعطيل وإقفال الطرقات ليستمرّ في التعسّف في استعمال حقّه وانتهاك الملكية وحرمتِها فهذا أمرٌ مستهجَن أيضاً!

وقد مارسَ بعض النواب حقّهم في الطعن أمام المجلس الدستوري الذي أحسنَ عندما ردّ المراجعة بموجب القانون الصادر في 6/8/2014 تحت الرقم 6/2014 بعدما أبطلَ المادتين /7/ و/13/ والفقرة ب 4 من المادة /18/ من القانون المطعون بحيث بات الجزء المتبقّي منه نافذاً إعتباراً من 28/12/2014 بصرف النظر عن دور مجلس النواب الذي يحاول ترميم ما اعترى هذا القانون من شوائب في هذه المواد التي أبطلَها المجلس الدستوري.

وإذا كان البعض من قدامى المستأجرين أو النواب معتقداً أنّه يطالب بحقوق معيّنة فهذا يعود إلى كون المشرّع قد ألحقَ أفدحَ الضرَر بهذه الطبقة المالكة، كونهم سدّدوا تعويضاً للمستأجرين من جيبهم الخاص، في حين أنّ الدولة وحدها مسؤولة عن هذا التعويض إذا كان مستوجباً.

وعليه فإنّ القانون الجديد استمرّ في تكبيد المالك مزيداً من الأضرار بعدما تمادى في إلحاقها به لعشرات السنين، ما رسّخَ في ذهن البعض اعتقاداً أنّ من حقّه السكن بصورة شبه مجانية، لا بل المطالبة بأن يبقى محتلّاً لملكية المالك مدى الدهور، حتى كاد المريب يقول خذوني.

وبدلاً من أن تحلّ الدولة المشاكل الإسكانية من جيب المالك كان عليها أن تحلّها من الموازنة العامة، فترصد أموالاً لهذه الغاية كما فعلت مع المهجّرين واللاجئين وغيرهم، لا بل عليها أيضاً أن تعوّض على المالكين بعدما صادرَت ملكيتهم بطريقة غير مباشرة لعشرات السنين، لئلّا تطبّق شيوعية الملكية الفردية والنظام الشيوعي بدلاً من النظام الإقتصادي الحر القائم على حماية الملكية الفردية ولئلّا ينطبقَ عليها وعلى المستأجر القول المأثور «يرضى القتيل ولا يرضى القاتل».