Site icon IMLebanon

قانون الايجارات…اين العدالة واين الظلم واين الثغرات القانونية؟

شغل «قانون الايجارات الجديد» الرأي العام اللبناني في الآونة الاخيرة، بدأ العمل في هذا القانون بتاريخ 28 كانون الاول 2014 وابرز ما تضمنه هذا القانون: تمديد اجارة الاماكن السكنية، تحديد الزيادات القانونية على المأجور وتحديد تعويضات الخلاء.

«طيّر» المجلس الدستوري المادة رقم 7 المتعلقة بلجنة التخمين مما استدعى ابطال المواد المتعلقة بها وهي الموادة 13 و18 (ب4)، هذه الثغرة القانونية كانت السبب في نشوب الخلاف القانوني حول من سيخمّن القيمة البيعية للمأجور لتحديد بدل المثل كما برز خلاف آخر على نسبة زيادة القيمة التأجيرية. بانتظار السلطة التشريعية التي ستحل هذه الثغرات ستفتح «الشرق» ملف «قانون الايجارات الجديد» بكل تفاصيله ما له وما عليه؟!

وقبل الدخول في تفاصيل القانون الجديد سنروي قصة مالكين يتحايلان على القانون والدولة.

في حي السيّدة في الاشرفية، مدخل كرم الزيتون، المفرق الاول الى الشمال تصادفك البناية رقم 28. بناء قديم تم تحويل الطابقين الارضي والاول منه الى غرف للسكن للطلاب والاجانب. استطاع المالك (إ.  ج) وشقيقه (ح.ج) تقسيم الشقة في الطابق الارضي والشقة في الطابق الاول الى غرف منفردة وتأجيرها الى شبان وشابات طلاب اجانب. يصل ايجار الغرفة الواحدة الى 600$ في الشهر الواحد. المفارقة في هذا البناء القديم الذي تم تقسيمه الى غرف ان مالكيه يتهربان من دفع الضرائب للدولة! كيف ذلك؟ هما يؤجران الغرف من دون عقود ايجار علماً ان القانون بعد 23-7-1992 يلزمهما بذلك. انها يتحايلان على القانون تهرباً من دفع ما يتوجب عليهما للبلدية. ليس هذا وحسب انما يكتفي كل طابق بغرفه المؤجرة بعداد كهرباء واحد وعيار مياه واحد ايضاً. انها سرقة واستغلال لشركة كهرباء بيروت ومياه بيروت ايضاً. اين تغيب بلدية بيروت عن ملاحقة هؤلاء؟! ويعتبر هذا الموضوع بمثابة اخبار للجهات المعنية لان ليس جميع المالكين اصحاب حقوق انما هناك من يتحايل على القانون ويسرق الدولة، ومن سيحاسب هذين المالكين ان لاقت هذه البناية مصير بناية فسوح بسبب هدم بعض جدرانها واستبدالها بجدران بلاستيكية عازلة بغية تقسيمها الى غرف؟

الواقع ان قانون الايجارات الجديد نافذ بمفاعيله كافة. وهذا ما يؤكده وزير العدل السابق شكيب قرطباوي «القانون اكيد ساري المفعول منذ 28 كانون الاول 20104». ويتابع: «هناك سياسة اسكانية كان يفترض بالدولة اللبنانية اعتمادها منذ سنوات طويلة. ولكن الواقع منذ اربعينات القرن الماضي صدرت قوانين عشوائية ومددت من دون دراسة ومن دون معرفة الاسباب والاهداف. قسم من هذه القوانين شعبوي وغير مدروس. تابعت هذه السياسة سريانها لسنوات طوال اوصلتنا الى ازمة سكانية صعبة. على الرغم من صدور قانون 23-7-1992 (رقم 159) الذي حرّر الايجارات التي تعقد بعد هذا التاريخ فخفف من المشكلة واصبحت محصورة فقط بالايجارات المعقودة قبل هذا التاريخ. وهكذا خف حجم المشكلة واصبحنا نتحدث عن ايجارات وابنية قديمة نسبياً.

ويضيف في اطار اسباب هذه الازمة الاسكانية «عدم وجود سياسة اسكانية واضحة انتجت شعوراً بالغبن عند المالك الذي يشعر انه حتى الملكية مسلوب منه والمستأجر بدوره يشعر انه قد يرمى في الشارع».

ولكن الواقع مختلف عن هذه الاجواء المشاعة حيث لا يوجد مالك حقه مهضوم 100% او مستأجر حقه ضائع 100%. بالطبع ايجاد حلول لهذه الازمة بشكل ناجع كان ضرورة وبالتالي الحل الوحيد يكمن في قانون مدروس يأخذ هذه الاعتبارات بعين الاعتبار ويحاول تصحيح اخطاء الدولة والشعب منذ 1943. تصحيح هذه الاخطاء لا يكون بشكل مفاجئ وفوري لذلك منح القانون الجديد مهلة 9 سنوات للطرفين لتسوية الاوضاع مما يخفف الازمة الاسكانية.

 

بدلات الزيادة على المأجور

لعل الزيادة على الايجارات ومعدّل ارتفاعها التدريجي يشكل ازمة. وخير مؤشر على ذلك ما يؤكده قرطباوي «لا يمكن للمشرّع ان يجبر المستأجر على دفع ايجار مساو لبدل المثل بعد 6 سنوات ولا اعتقد انه من الممكن رفع القيمة التأجيرية بهذا الشكل في 6 سنوات فقط».

ويتابع «الزيادات على الايجارات ستشكل اكبر مشكلة في المرحلة المقبلة».

 

كيف تحتسب الزيادات؟

المؤكد ان القيمة البيعية للمأجور هي المعيار الذي على اساسه ستحتسب الزيادات على الايجارات ونسبها التي سترتفع تدريجياً خلال السنوات الستة الاولى.

وبناءً على ذلك، تحتسب قيمة المأجور البيعية (اي ثمنه وفق مواصفاته ان اراد صاحبه بيعه) ويزداد بدل الايجار المتوجب على المستأجر 5% من هذه القيمة. وبناءً عليه يدفع المستأجر وفق نص القانون بنسبة 15%  من هذه القيمة عن كل سنة من السنوات التمديدية الاربعة الاولى التي تلي تاريخ نفاذ هذا القانون. وترتفع نسبة الزيادة الى 20% عن كل من السنتين الخامسة والسادسة من الفترة التمديدية حتى يبلغ بدل الايجار في السنة التمديدية السادسة مساوياً لقيمة بدل المثل. (بدل المثل اي القيمة التأجيرية للمأجور بشكله، موقعه ومواصفاته) ان كان فارغاً في حينه.

وبالنسبة الى السنوات الممددة السابعة والثامنة والتاسعة يعتبر بدل الايجار مساوياً القيمة بدل المثل المشار اليها اعلاه.. وفي نهاية السنة التمديدية التاسعة يصبح الايجار حراً.

ومثال على ذلك ان كان المأجور قيمته البيعية تساوي 100000 دولار اميركي فتحتسب الزيادة تدريجياً (15%) فيدفع المستأجر الزيادة 750$ سنوياً في السنوات الاربعة الاولى لتصل الزيادة الى 1000$ سنوياً في السنة الخامسة والسادسة. وهكذا لتصل الى 5000$ سنوياً في نهاية السنة السادسة.

ولكن هناك توجهاً لدى لجنة الادارة والعدل النيابية لتخفيض نسبة الزيادة من 5% الى 4% اي ان اتبعنا المثل اعلاه يدفع المستأجر في السنوات الاربع الاولى زيادة 400% لتصل الى 4000$ سنوياً في السنة السادسة.

ويعتبر قرطباوي انه لا يجوز تصحيح الاخطاء المشتركة للدولة والمواطنين بهذا الشكل انما تمديد الارتفاع التدريجي للزيادة على الايجارات لتصل الى 100% من نسبة بدل المثل حتى السنة التاسعة من المهلة وليس السادسة لتخفيف الوطأة على المستأجر».

 

من يخمّن بدل الايجار

بعد الغاء المجلس الدستوري للمواد المتعلقة بلجنة التخمين وقعت ازمة هوية من يقدّر القيمة البيعية للمأجور وبالتالي بدل الايجار؟ هذا النقص يعاني منه قانون الايجار الجديد ويؤكد قرطباوي «هذا النقص سبب ارتباكاً كبيراً في القضاء بسبب غياب المرجع المولج تخمين بدل الايجار وفق القانون الجديد في حال اختلف المالك والمستأجر ولجأ الى القضاء».

ويضيف «الغى المجلس الدستوري لجنة التخمين لاعتبارها غير قانونية. مما شكّل فراغاً قانونياً. في المبدأ العام لا يوجد فراغ قانون امام القاضي الذي يحكم في حال نشوب نزاع. قد يلجأ القاضي الى تعيين خبير او اكثر ويعود للقاضي تقدير هذه النسبة في الحكم الذي يصدره.

ويتابع «لا يجوز ان نترك هذا الجهد الكبير على مختلف الاراضي اللبنانية وتخمين قيمة بدل الايجارات على كاهل القضاة، ناهيك بامكانية حدوث اختلافات في احكام القضاة واختلاف في آرائهم التي قد تحدث لا مجال للخروج من هذه الازمة الا من خلال تشريع جديد ومن خلال ادخال بعض التعديلات على القانون الجديد».

ويكشف «الى اي قانون سيلجأ القضاة في احكامهم في الفترة الممتدة بين انتهاء العمل بالقانون القديم وبدء العمل بالقانون الجديد؟ اي بين عامي 30 حزيران 2012 و28 كانون الاول 2014؟ اغلب الظن سيعملون بالقانون القديم ولكن هذا الامر يحتاج الى نص تشريعي؟».

 

كواليس لجنة الادارة والعدل

الواضح ان الخلاف الحالي الذي سببه قانون الايجارات الجديد يعود الى نقطتين: الخلاف على تحديد قيمة نسبة زيادة القيمة التأجيرية وتحديد الجهة المولجة والمرجع القانوني المولج بتخمين هذه النسبة. وهذا ما كشفه قرطباوي.

«تعمل لجنة الادارة والعدل النيابية حالياً على تخفيض نسبة زيادة القيمة التأجيرية الى 4% فقط من قيمة المأجور سنوياً وترتفع تدريجياً خلال السنوات الستة الاولى لتساوي قيمة بدل المثل في السنة السادسة والسنوات التالية حتى انتهاء السنوات التسع اي نهاية الفترة التمديدية التي اقرها هذا القانون». وينتظر هذا الاتفاق مرحلة طويلة في حال اتفاق لجنة الادارة والعدل عليه لاقراره في اللجنة العامة.

في انتظار مهلة تعديل الثغرات التي تعتري هذا القانون السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستصدر المحاكم احكامها في ظل غياب هذه المواد؟ وهذا ما اكده قرطباوي «هناك ارتباك كبير في القضاء! في حال صدر تشريع سريع لا وجود لهذه المشكلة لأن الدعاوى تأخذ وقتها. ولكن في حال تأخر التشريع الجديد الترميمي للقانون ربما سيحل القضاة النزاع الموجود امامهم وفق نص القانون الحالي باتباع نسبة الزيادة على الايجار الحالية5% ويحددون من يقوم بعملية التخمين».

وهذا ما ينطبق عليه القول «تطبيق روح القانون» بسبب عدم وضوح نص القانون الحالي في ظل غياب بعض المواد الاساسية.

تعويضات الاخلاء وشروطه

الواضح ان القانون الجديد حدد شروطاً على المالك في حال طالب باسترداد المأجور والزمه بدفع تعويضات للمستأجر تختلف قيمتها بناءً على نوعية المأجور ومواصفاته ومدة الايجار وقيمته. ولكن القانون الجديد لم يعط المستأجر الحق بتعويض كبير كما كانت تنص القوانين السابقة.

وخير دليل على ذلك ما يؤكده قرطباوي «التعويضات ترتكز على قيمة الايجار وقيمة المأجور البيعية وعلى اساسها تبنى التخمينات وفق القانون ولكن في كل مطلق الاحوال التعويض وفق القانون الجديد اقل بكثير من ما كانت تمنحه القونين الماضية حيث كانت نسبة التعويضات تلامس 50% من قيمة المأجور».

ومثال على ذلك، وان كان المستأجر سيخلي المأجور الذي تقدر قيمة بدل المثل 5000$ يدفع المالك له حوالى 5 مرات قيمة بدل المثل اي حوالى 25000$ فقط.

ويوضح قرطباوي «في هذه الحالة يعيّن القاضي خبراء تخمين من قبله لتحديد بدل المثل الذي على اساسه تحتسب قيمة التعويض».

ودعا الجميع من مالكين ومستأجرين الى التكاتف من اجل حل ازمة سكن مزمنة اسبابها تشريعية وقانونية.

يبدو ان القانون حدد شروطاً تلزم المالك باستيفائها ان اراد ان يطلب من المستأجر اخلاء المأجور وهي: «ان يثبت المالك ضرورة عائلية تضطره الى استرداد المأجور وان لا يكون هو او من يطلب الاسترداد لمصلحته مالكاً مسكناً آخر غير مشغول ومعادلاً في مستواه للمأجور المطلوب استرداده ضمن النطاق البلدي عينه او نطاق بلدي مجاور او ان يطلب استرداد المأجور من اجل اعمال الهدم واعادة البناء ضمن مهلة محددة. ولكن من يضمن حسن نية وصدق دوافع المالك لطلب الاخلاء؟ القانون لم يغفل هذه النقطة فحدد القانون في مادته (رقم 33) نسبة احتساب تعويضات الاخلاء المرتكزة ايضاً على دواعي طلب المالك استرداد ملكه. وبناءً عليه يترتب على المالك الذي استرد مأجوره ان يدفع للمستأجر تعويضاً اضافياً يعادل نصف قيمة التعويض الذي دفعه للمستأجر دون ان يذكر المستأجر ملزماً باثبات الضرر الذي اصابه وذلك اذا كان المأجور قد استرد وفقاً لضرورات عائلة او من اجل الهدم ولم يستعمله المالك دون مسوغ مشروع وفقاً للغاية المطلوبة بمهلة سنة من تاريخ الاخلاء او لم يستمر دون مسوغ مشروع في استعماله على ذلك الوجه ثلاث سنوات على الاقل.

وفي الاطار عينه، يدفع المالك تعويضاً مساوياً لما ذكرناه اعلاه اذا كان المأجور قد استرد من اجل الهدم واعادة البناء ولم يشرع المالك بالبناء دون مسوّغ مشروع بمهلة ثمانية عشر شهراً من تاريخ اخلاء آخر مستأجر ولم يتممه في مهلة لا تتجاوز الخمس سنوات من تاريخ الشروع في العمل او اذا استعمل المأجور المسترد لسكنه او لمنفعته الشخصية.

في حال استرداد المأجور

كما حدد القانون في مادته (رقم 22) انه اذا رغب المالك في استرداد المأجور للضرورة العائلية اثناء السنة الاولى من الفترة التمديدية (السنوات التسع)، فعليه ان يدفع للمستأجر تعويضاً يوازي بدل ايجار اربع سنوات محتسبة على اساس بدل المثل الذي جرى تحديده. اما اذا رغب المالك  في استرداد المأجور اثناء السنة الاولى من الفترة التمديدية لأجل هدم البناء الذي يقع فيه المأجور، واقامة بناء جديد مكانه فعليه ان يدفع للمستأجر تعويضاً يوازي بدل ايجار ست سنوات محتسبة على اساس بدل المثل الذي جرى تحديده.

 

حماية المالك على حساب المستأجر!

الواضح ان القانون سعى لحماية المالك على حساب المستأجر خصوصاً انه سمح بتناقص التعويض الذي يستحق للمستأجر نسبياً مع المدة المتبقية من المهلة التمديدية اي بمعدل التسع (1/9) عن كل سنة انقضت من الفترة التمديدية. وهكذا فرض القانون على المستأجر زيادة بدل الايجار بينما اعطى المالك حق حسم من التعويض وفقاً للمهلة المتبقية من المهلة التمديدية.

ليس هذا وحسب انما سمح للمالك الذي يريد دفع التعويض للمستأجر اما ان يدفعه مباشرة منه او بالاقتراض من اي مصدر يختاره، واعتبر ان القرض المعطى للمالك بمثابة قرض سكني ويستفيد عندها المالك من الاعفاءات المنصوص عليها في القانون رقم 543 تاريخ 24-7-1996.

وبعد انقضاء المهلة التمديدية اي السنوات التسع يسقط حق المستأجر ويخلي المأجور من دون الحصول على فلس واحد كتعويض!

ويؤكد قرطباوي ان «القانون اعاد جزءاً من حقوق المالك التي يكفلها حق الملكية».

 

صندوق المساعدات للمستأجرين

الواضح ان القانون لحظ وضع بعض المستأجرين «الفقراء» فأنشأ ما يسمى بصندوق المساعدات الذي يقدم للمستأجر الراغب بالحصول على مساهمة من الصندوق لدفع بدل ايجار المأجور الذي يشغله.

وبالطبع حدد القانون شروطاً يجب ان تتوفر في الطلب وابرزها ان يقدم الطلب خلال مهلة شهرين من تاريخ تحديد بدل المثل رضاءً او قضاءً بالنسبة للسنة الممددة الاولى، وخلال المهلة ذاتها في بداية كل سنة من السنوات الممددة الاخرى وان يتضمن الطلب مستندات خاصة بالفريق المستفيد عبارة عن جدول باسمائهم وافادة عمل كل منهم وتصريح شخصي بالدخل في حال كان يعمل لحسابه الخاص.

وشدد قرطباوي على ضرورة «تفعيل هذا الصندوق لمساعدة ذوي الدخل المحدود يعتبر حلاً ناجعاً لانهاء هذه الازمة المزمنة». ويتابع «الدولة من خلال دعم هذا الصندوق تتحمل مسؤوليتها وكذلك هناك وفق هذا القانون مسؤولية على المالك وعلى المستأجر. ولعل الدولة التي تدير السياسة الاسكانية في البلد هي من تتحمل ثمن اخطاء كانت اساساً في ارتكابها».

ويضيف «لا يجب ان ننسى ان الدولة راعي اجتماعي وعليها ان تساعد مواطنيها. وكذلك يجب ان يموّل هذا الصندوق من الضرائب التي يدفعها المواطنون. وهذا ما سيشكل تعاضداً اجتماعياً بين جميع المواطنين برعاية الدولة لمساعدة المواطنين ذوي الدخل المحدود من اجل تأمين سكن مقبول لهم».

ويكشف «هذا القانون هو بداية لسياسة اسكانية شاملة. لا يمكن حل مشكلة السكن بكبسة زر. قد نصل الى ما يعرف بمشروع قانون التملك او الايجار التملكي. وهذا يتطلب استمرارية في الحكم وقبول الوزراء المتعاقبين على الاستمرار بهذه الخطة الموضوعة وهذه السياسة الاسكانية المتوسطة الامد».

ولكن هذا الصندوق لن يدفع للمستأجر كامل بدل الايجار انما جزء ولفترة محدودة من السنوات التمديدية وصولاً الى ما نسميه سياسة التملك. وهذا ما اوضح قرطباوي «هذا الصندوق هو الطريق نحو الايجار التملكي». ويدعو اللبنانيين الى «التخفيف من العنجهية. واكبر مثال على ذلك هو قبول المتموّل اللبناني بمنزل في باريس مساحته 70 م2 ويعتبر نفسه عظيماً انما لا يقبل بأن تقل مساحة مسكنه في لبنان عن 1000م2»! ولعل هذا المرض الاجتماعي لا يقتصر على الميسورين انما اصحاب الدخل المحدود مصابون بهذا الداء ايضاً.

 

التخلي عن العنجهية هو الحل

ويطلب قرطباوي من اللبنانيين القبول بالسكن بما يسمّى مساكن شعبية توفر سبل الراحة المطلوبة ولكن ضمن المعقول والاستغناء عن الشقق الفارهة والعنجهية التي لا معنى لها وتحسين طريقة العيش وطريقة التفكير التي لا بد وان تكون عملية».

 

اخلاء مدروس

المؤكد انه بعد اخلاء المأجور او انقضاء المهلة التمديدية سيجد المستأجر القديم نفسه مرغماً للبحث عن مسكن جديد بايجار كبير بسبب الغلاء حالياً. ازمة حاول قرطباوي توضيح ملابساتها شارحاً «عدد هؤلاء المستأجرين يخف ويتراجع مع الوقت لسببين: الناس تكبر وتستقل في منزل خاص بها. وهنا نتحدث عن الابناء. وهؤلاء الابناء لا حق لهم بالتمديد. اذا هكذا يخف عدد المستأجرين ناهيك بأنهم يتقدمون بالسن ومنهم من يتوفى».

ويضيف «الازمة الى حلحلة خصوصاً ان هناك منازل تسترد للهدم. وخلال 9 سنوات سيخف عدد المستأجرين. اي في عام 2024 سيتناول هذا القانون الايجارات المعقودة قبل سنة 1992 اي ما يفوق 32 سنة. وهذا يعني ان اجدد ايجار يبلغ عمره 32 وهذا يعني ان العدد في تراجع».

الواقع ان القانون الجديد يتهم بالخروج الفاضح على مبادئ العدلة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين امام القانون وخرقاً لحق الانسان بالسكن. وخير دليل على ما نقول ان القانون الجديد «طيّر» حق المستأجر المكتسب بتعويض اخلاء يقارب الـ 50% من ثمن المأجور خصوصاً ان المالك استرجع تكاليف المأجور بعد مرور عشر سنوات على ايجاره. ولكن وجهة النظر هذه يرفضها قرطباوي الذي يؤكد انه «لا يجوز التغاضي عن حق الملكية، ولا بد من موازاة بين حق الملكية وعدم مصادرة منزل المالك وفي الوقت عينه تأمين سياسة اسكانية اجتماعية متكاملة لذوي الدخل المحدود من اجل ايجاد سكن جديد ولا يرمى في الشارع!»، ويتابع «هذا القانون هو خطوة نحو الحل ضمن سلسلة خطوات وابرز ما قدمه هو صندوق المساعدات الذي يقدم مساعدة آنية للمستأجرين ذوي الدخل المحدود لمساعدتهم على مواجه «زيادات الايجارات». ولعل اهم ما يجب ان يلحق بهذا القانون هو سياسة اسكانية شاملة وانشاء ابنية متوسطة الحجم والمواصفات تخضع لما يسمى بالايجار التمليكي.

ويضيف «لا يتوقع المواطنون ان تحل الازمة بكبسة زر. الحلول قادمة بروية واول الغيث هذا القانون الجديد».

 

ثغرات القانون «الضخمة» و«الاثرية»

لم يلحظ القانون الاماكن السكنية الفخمة التي اكتفى بتخفيف تعويضاتها. بالطبع لم يلحظ الاماكن الاثرية التي سقطت من حماية ضرورية في ظل هجمة الشركات العقارية التي سترمي المالك والمستأجر معاً خارجاً. كيف ذلك؟ سيسعى المالك الى استرداد المأجور تحت غطاء ضرورات عائلية او سكن او هدم لبيع المأجور لهذه الشركات. وهكذا ستتحول بيروت الى ناطحات سحاب للاثرياء والاجانب وبالتالي تخسر وجهها الثقافي وذاكرتها وتفرغ من اهلها.

وفي ما يتعلق بالابنية الفخمة يرد قرطباوي المسؤولية على الدولة وعلى قانون 1967 موضحاً «حدد هذا القانون مواصفات هذه الابنية محدداً مدة عقود الايجار بـ 5 سنوات فقط. وبعد سنتين اصدرت الدولة قانون يسمح بتمديد سنوات الايجار. وهكذا وقع المواطنون في فخ التمديد الذي «غشت به الدولة» المواطنين».

ويعتبر ان الاماكن او الابنية المصنفة اثرية تشكل مشكلة كبيرة لأن المالك لا يستطيع هدمها وترميها مكلف واذا كانت تأوي مستأجرين فهنا المشكلة الكبيرة، مشدداً على ضرورة ايجاد حل لهذه المشكلة وان يكون عادلاً.

ويؤكد «الابنية المصنفة يجب ان تتم حمايتها وان يمنع المساس بها لكي نترك جزءاً من تاريخنا الذي خسرنا قسماً كبيراً منه. ولكن لا يجوز تحميل كامل تبعات هذا القرار على كاهل المالك فعلى الدولة ان تتدخل لتتحمل جزءاً من المسؤولية بحل تعويضي لمالكي الاماكن المصنفة».

وعلى الرغم من هذه الثغرات يشدد قرطباوي على ان «هذا القانون الجديد يخلص لبنان من مشكلة سكنية متفاقمة منذ سنة 1943».

المؤكد ان القانون ساري المفعول ومنفّذ وعلى الجميع تحمّل حسناته وسيئاته بانتظار ان تخفف لجنة الادارة والعدل من غموض بعض مواده وان ترأف بحال محدود الدخل من الفقراء كي لا يجدوا انفسهم في الشارع لانهم لن يستطيعوا دفع ايجار شقة حالياً في بيروت بسبب ارتفاع اسعار الايجارات بشكل هستيري.