تكرار الإهتزازات الأمنية والسياسية يسمِّم الأجواء ويضع مسيرة الحكومة على المحك
الحكومة أمام إختبار التفاهم بين مكوِّناتها على قرار لمعالجة ذيول حادث كفرمتى أو عدمه
إذا كان ما يحصل سباقاً لأي هدف أو للإفتئات على هيبة ووجود الخصوم واللعب في ساحتهم، فإن ردود الفعل على مثل هذه الألاعيب قد تطال لبنان كلّه..
ينتظر ان تشكّل جلسة مجلس الوزراء امتحاناً صعباً في كيفية تعاطي الحكومة ومقاربتها لملف الحادث المأساوي الذ وقع يوم الأحد الماضي في بلدة كفرمتى الجبلية ومدى امكانية توافق الأطراف المشاركين فيها وقدرتهم على الاتفاق في ما بينهم على آلية أو قرار موحد لمعالجة ذيول هذا الحادث ومنع تداعياته السلبية الخطيرة على الوضع العام في البلد ككل وتوفير مقومات استمرار الحكومة في مسيرتها وتمكينها من الانطلاق قدماً للقيام بالمهمات المنوطة بها في أجواء مؤاتية ومريحة ولا سيما مقاربتها للملفات والقضايا الحياتية والاجتماعية الضاغطة التي تُثقل كاهل المواطنين خصوصاً في ضوء صدور مواقف عالية السقف وتصعيدية من بعض الأطراف المعنيين بهذا الحادث واشتراطهم على الحكومة اتخاذ قرار بإحالة ما حصل على المجلس العدلي وحصر القرار بمحاول اغتيال الوزير صالح الغريب، في حين ترفض الأطراف المقابلة اتخاذ مثل هذا القرار وتدعو إلى أن يشمل مثل هذا القرار جميع الأحداث التي وقعت في الجبل في المدة الأخيرة ومن بينها حادث الشويفات العام الماضي.
ولا شك ان هذا الحادث قد عرّض الحكومة لهزة جديدة كانت بغنى عنها في هذا الظرف المحلي والإقليمي والدولي الحسّاس، بعد ان كانت تعرّضت لهزّة قوية قبل أسابيع بفعل المواقف والتصاريح الاستفزازية والطائفية في احيان أخرى لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، تارة تحت شعار «استعادة الحقوق» أي حقوق المسيحيين وتارة أخرى المطالبة بالمشاركة وطوراً بإثارة ما يسميه قيام «السنيَّة السياسية» على «جثة المارونية السياسية» وما إلى هنالك من تعابير وشعارات تذكّر اللبنانيين بحقبة الحرب الأهلية المشؤومة وما سبقها من أجواء مسمومة لشحن النفوس وإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية.
وكادت هذه المواقف ان تشلّ الحكومة لو لم يتم تداركها من خلال نفي ما قيل بهذا الخصوص أو بعضه على الأقل والمسارعة إلى لملمة تفاعلاتها وأثارها السلبية على الواقع السياسي، حيث عمل الرئيس الحريري ما بوسعه وقام بمساع وجهود مضنية لوقف تفاعلاتها على الصعيد الشعبي، وإعادة تحريك مسيرة العمل الحكومي في الاتجاه المطلوب.
وهذه المرة تكررت الهزة بوتيرة اقوى تحت وطأة استمرار مسلسل الخطب والتصاريح الاستفزازية للوزير باسيل ضد أطراف آخرين، وباتت تداعيات ما حصل في أعقاب الحادث المأساوي الخطير، تتجاوز حسابات البعض وتذهب بالبلد إلى اتجاهات غير محسوبة، لولا المسارعة الفورية من قبل المسؤولين المعنيين للدعوة إلى وقف انحدار الأمور نحو الأسوأ ووضع حدٍ لما حصل.
ولكن تكرار مثل هذه الاهتزازات في إطار ما يجري وعدم التحسب لما يمكن ان يحصل جرّاء هذه الممارسات والمواقف التصعيدية تحت أي شعار كان، ومهما كانت الحجج والذرائع لمثل هذه التصرفات،فقد يكون من الصعب حصر مفاعيلها ووقف تداعياتها قبل فوات الأوان، لا سيما مع ازدياد حالة الانفعال والغليان الشعبي تجاهها في أكثر من منطقة ومدينة.
وقد شكل الحادث المأساوي في كفرمتى ناقوس الخطر وجرس الانذار لكل الأطراف لما يمكن ان تؤدي إليه مثل هذه التصرفات والممارسات التصعيدية والاستفزازية تجاه أكثر من طرف سياسي أو طائفة أو شريحة شعبية أو ضد أي منطقة كانت، ولا بدّ من التنبه إليها ومنع تكرار كل التصرفات الاستفزازية ضد الآخرين.
ولا بدّ من الاعتراف ان تكرار الحوادث ولا سيما الأمنية منها وما وقع الأحد الماضي قد سمم الأجواء بالكامل وأعاد اللبنانيين إلى أجواء وذكريات الحرب الأهلية الأليمة، واحدث خضة قوية تجاه الواقع السياسي العام قد ترخي بذيولها وتداعياتها على مسيرة الحكومة التي تشق طريقها بصعوبة منذ تأليفها وحتى اليوم بفعل العقبات المزروعة بطريقها من قبل أكثر من طرف يفترض فيه ان يكون داعماً ومساعداً لها للقيام بالمهمات العديدة الملقاة على عاتقها.
فإذا كان ما يحصل سباقاً لأي هدف كان، لدغدغة مشاعر شرائح شعبية معينة، أو التحضير لمعركة الرئاسة التي فتحت قبل اوانها، أو الافتئات على هيبة ووجود الخصوم واللعب في ساحتهم، فإن ردود الفعل على تكرار مثل هذه الالاعيب الاستفزازية لن تبقى محصورة بمنطقة وطرف وقد تطال لبنان كلّه وما حصل الأحد الماضي أكبر مؤشر خطير لما يمكن ان يحدث.