أعلن وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام في مقابلة تلفزيونية، أنّ حجم الخسائر الناتجة من العدوان الإسرائيلي على لبنان يتراوح بين 15 و20 مليار دولار أميركي، بما يعادل 3 إلى 4 أضعاف الخسائر التي تكبّدها لبنان خلال حرب تموز 2006، المقدّرة بنحو 5,3 مليارات دولار، بالإضافة إلى تدمير العديد من الشركات والمؤسسات التجارية.
ولفت «سلام» إلى أنّ لبنان يواجه تحدّيات كبيرة ومسؤوليات ثقيلة، لا سيما في ظل الظروف الإقليمية والعربية المحيطة، التي تختلف كلياً عن تلك السائدة عام 2006.
ويُثير هذا الوضع تساؤلات حول الدول المستعدة لتقديم الدعم لإعادة إعمار المناطق اللبنانية المتضرّرة. وفي تقرير آخر أفيد بأنّ الحرب تسبّبت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي اللبناني لعام 2024 بنسبة 9%، وقُدِّرت الخسائر بالبنى التحتية بحوالى 3,6 مليارات دولار. بالإضافة إلى تراجع كبير بقطاع السياحة بنسبة 90%.
كما أشار التقرير إلى أنّ الخسائر شملت البطالة، إذ باتت تطال 32% من النازحين الذين بلغ عددهم مليون نازح، مع تقدير الخسائر بحوالى 3 إلى 5 مليارات دولار لحجم الدمار الذي ألحقته الحرب بالبنية التحتية.
من الواضح أنّ تأثير هذه الحرب على الاقتصاد اللبناني سيكون أكبر بكثير من سابقاته، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي مَرّ فيها لبنان منذ عام 2019.
ووفقاً للمادة 93 من قانون النقد والتسليف، يحق لمصرف لبنان تقديم قروض للدولة في حال عجزها عن تأمين الإيرادات. لكن، يَعتبر المودعون أنّ احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية البالغ نحو 10,3 مليارات دولار ملكاً لهم، بعد أن حُجِزَت أموالهم بسبب سوء إدارة الطبقة الحاكمة للأزمات الاقتصادية.
في هذا السياق، يبقى الحل الأساسي انتظار المساعدات الخارجية لتعويض الخسائر، ممّا يطرح تساؤلات حول استعداد الدول الأجنبية والعربية لتقديم هبات أو قروض، في ظل فقدان الثقة بالحكومة اللبنانية التي فشلت في القيام بالإصلاحات اللازمة لطمأنة الجهات المانحة.
على رغم من ذلك، أبدت إيران استعدادها لتقديم الدعم المالي، إلّا أنّ العقوبات الأميركية المفروضة عليها تحُدّ من إمكانية قبول أي مساعدات من الجانب الإيراني، ما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي وصعب، تحت مراقبة أميركية دقيقة.
الأعياد في الأسواق المحلية
اجتماعياً، وعلى رغم من الحركة الطفيفة في عجلة الاستهلاك وضعف الحركة الشرائية، إذ يواجه العديد من العائلات صعوبات اقتصادية بسبب الأزمة والحرب، ما أدّى إلى تركيز الأُسر على تأمين احتياجاتها الأساسية، بدأت الأسواق اللبنانية في التحضير لموسم الأعياد.
في الأشرفية، أضاءت جمعية «ليبانون أوف تومورو» شجرة العيد في 7 كانون الأول، بالإضافة إلى افتتاح الأسواق في موعدها السنوي التقليدي.
في بعبدا، افتُتح سوق الميلاد أمس ويستمر لمدة 3 أيام حتى 15 كانون الأول، بينما ستستضيف باحة «باكيارد» في الحازمية سوق الميلاد السنوي من 11 إلى 25 من كانون الأول، وتتخلّله أنشطة ترفيهية وعروض فنية مع شخصيات كرتونية مشهورة.
مع اقتراب موسم الأعياد، يعكس القطاع السياحي في لبنان تحسناً ملحوظاً بعد إعلان وقف إطلاق النار، إذ بدأت شركات الطيران في استئناف رحلاتها بشكل تدريجي، وشهدت حجوزات السفر ارتفاعاً واضحاً.
ويبعث هذا التحسن برسالة إيجابية في وقت حاسم، إذ يعتمد لبنان بشكل كبير على السياحة كمصدر رئيسي للدخل في موسم الأعياد، مع تدفّق السيّاح والمغتربين إلى البلاد بعد فترة من التراجع الكبير في أعداد السياح بسبب الحرب.
وعلى رغم من هذا التحسن في أعداد الوافدين بعد اتفاق وقف إطلاق النار، إلّا أنّ القطاع السياحي لا يزال يواجه تحدّيات كبيرة. فقد سجّل عدد الوافدين تراجعاً بنسبة 5% في الأشهر الـ6 الأولى من عام 2024، مقارنةً بالفترة عينها من العام 2023، في حين ارتفعت أعداد المغادرين بنسبة 7%.
كما سجّل عدد الوافدين بعد وقف إطلاق النار ارتفاعاً من 2500 وافد يومياً إلى 4000 وافد، ممّا يوضّح بداية تحسّن تدريجي سياحياً.
مع ذلك، فإنّ السياحة لم تساهم هذا العام بشكل كافٍ في الدورة الاقتصادية، إذ تراجعت إيرادات القطاع من 4 مليارات دولار في العام الماضي إلى 2 مليار دولار فقط، عاكسةً حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع. ويُتوقع أن يساهم موسم الأعياد في انتعاش قطاع الفنادق والمطاعم.
في ظل مرور لبنان بأصعب مراحله الاقتصادية نتيجة تداعيات الحرب وما سبقتها من أزمات طويلة الأمد، بالإضافة إلى الاعتماد المفرط على أموال المغتربين وتعميق أزمة الودائع، تواجه الحكومة عوائق متعدّدة مع محدودية قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة.
ومع بدء موسم الأعياد، التي تشهد عادةً تدفق المغتربين والسياح وزيادة التحويلات المالية إلى لبنان، يُطرح التساؤل: هل ستكفي هذه التحويلات وارتفاع الإنفاق المرتبط بالأعياد لتخفيف الأزمات الاقتصادية التي تثقل كاهل البلاد؟
قد تمنح فترة الأعياد الاقتصاد المحلي دفعةً موقتة من خلال زيادة حركة الأسواق، القطاع السياحي، وتحسين بعض المؤشرات الاقتصادية قصيرة المدى. لكنّ الاعتماد على هذا الزخم من دون وجود خطة إصلاح شاملة قد لا يكون كافياً لمعالجة الأزمات الهيكلية.
من الواضح أنّ الأعياد ليست سوى فترة موقتة، وأنّ التغيير والإصلاحات الشاملة باتا ضروريَّين. فيبرز سؤال آخر حول كيفية تعامل الدولة اللبنانية مع المرحلة المقبلة: فهل ستستمر الدولة في النهج نفسه الذي أدّى إلى إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وما قد يترتب عليه من تحدّيات إضافية في العلاقات الدولية والمساعدات الخارجية؟