Site icon IMLebanon

تكرار 8 آذار .. والاستفتاء الوطني المطلوب حول «السلاح»

الاحتشاد الاستثنائي يوم 14 آذار 2005 لم يكن فقط توسعاً نوعياً للنطاق المشارك في فعاليات «انتفاضة الاستقلال» بالتراكم المحقق في الشهر الذي أعقب جريمة تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري. كان احتشاداً استثنائياً ايضاً، وبشكل اساسي، بإزاء فحوى ما قاله زعيم «حزب الله» في 8 آذار، والأهم، بإزاء محاولة تمرير 8 آذار على انها «التظاهرة الاكبر في تاريخ لبنان»، والحشد في ذلك اليوم على انه الاستفتاء الميداني التعبوي الخطابي المسيّر لأحوال البلاد والعباد من الآن فصاعداً.

لم يكن لدى الجماهير التي احتشدت في وسط بيروت يوم 14 آذار موقف جذري واحد وواضح ضد «حزب الله» منذ اول ظهوره، ولا كانت بمعظمها تفكر به في حينه، وهي تندّد بالذي قرّر وخطّط ونفّذ المجزرة الارهابية بحق الرئيس الحريري ورفاقه والمواطنين. كان الاتهام السياسي مثبتاً في لحظتها على جهاز الوصاية السورية المباشر، وأعوانها المباشرين.

ما كان لدى تلك الجماهير تصوّر برنامجي واضح ايضاً حول اسلوب حل معضلة سلاح «حزب الله»، بل ان قسماً واسعاً من الناس كان يعتبرها مشكلة اسهل على الحل بعد انكفاء الوصاية السورية، منه في ظل أخطبوط هذه الوصاية. في الوقت عينه، تضخمت دائرة المتحمسين للمشاركة في 14 آذار، بالضد من المنطق الذي حاول زعيم «حزب الله» فرضه قبل ايام معدودات، منطق ان «لبنان ليس اوكرانيا وليس جيورجيا»، منطق التكبر على الحراك الاستقلالي الشعبي، وفرض التحشيد العددي البديل تحت عنوان الشكر للنظام السوري، والضرب عرض الحائط بكل من لم يعد يحتمل استمرار وصاية هذا النظام على لبنان.

والأهم، نزلت الناس في 14 آذار لرفض ما اعتبرته مشروع الوصاية البديلة، مشروع وراثة «حزب الله» للوصاية السورية، او تخفيها به. الوصاية نفسها التي كانت في ذرائعها الاخيرة قبل الانكفاء تحذّر اللبنانيين، بأنه لا حيلة لهم بإزاء مخططات توطين الفلسطينيين تارة، وبإزاء اصولية «حزب الله» وسلاحه تارة اخرى، وبأنهم لن يعرفوا كلبنانيين، في كل الاحوال، كيفية ادارة شؤونهم بأنفسهم، بعيداً من الادارة الاسدية لاختلافاتهم.

كان الخطاب الذي تبنّته الوصاية السورية الآفلة مصيباً في جزء منه. نعم، لبنان بعد انكفاء هذه الوصاية ستستفحل فيه معضلة سلاح الحزب الخميني اكثر، ويزداد ظهور الانقسام الاهلي حوله اكثر، والمشروع التغلبي للحزب سيبرز بشكل اوضح، متنطحاً لوراثة الوصاية السورية وصون ذكراها في آن، كما لو انه المستفيد الاساسي من وطأتها المزمنة، والمستفيد الحصري من جلائها.

كذلك صحيح في جزء منه ما قاله زعيم «حزب الله» في 8 آذار. فلبنان ليس جيورجيا او اوكرانيا، وليس بتحشيد جماهيري مدعوم بالتغطية الاعلامية والمناخ الدولي المتناغم يمكن فيه التأسيس لمعادلات سياسية عميقة جديدة، هذا قبل ان يتضح ان الوعود المخملية في جيورجيا واوكرانيا ليست هي ايضاً بهذه المخملية، فالاوكران منقسمون بشكل حاولت الثورة البرتقالية عندهم المكابرة عليه، والاقاليم الانفصالية في جيورجيا لا يمكن ان تُعاد الى بيت الطاعة في تفليسي لمجرد تغيير النظام في اتجاه مقدّر كديموقراطي يومها، بل سيجرّ ذلك في وضع اقليم اوسيتيا الجنوبية حرباً روسية على الجارة القوقازية، لم يحرك بإزائها الغرب الداعم للديموقراطيين السياديين الاطلسيي الهوى في جيورجيا له ساكناً، وبرزت السياسة الاقتحامية الروسية من يومها، صيف 2008. لبنان ليس جيورجيا او اوكرانيا، نعم، لان جيورجيا او اوكرانيا كانتا في مكان اساسي تشبهان قدر لبنان واللبنانيين.

لكن لبنان ليس ايران ايضاً. وبأقل تقدير لا يمكن بحدث مثل 8 آذار 2005 فرض وراثة حزب خميني لوصاية سورية آفلة عليه. وهذا بالتحديد ما جعل 14 آذار 2005 تتحول الى حدث جماهيري استثنائي جداً، ليس له نظيره في التجربة اللبنانية، بل حدث لم يكن له نظيره في هذا الشكل من اتساع حركة الخروج الشعبي على الاستبداد قبل انتفاضات ربيع 2011، التي تحمّس لها «حزب الله» بداية، الا حين انتقلت الروح الانتفاضية الى السوريين.

اليوم، يريد الحزب نفسه تكرار 8 آذار من الجرود، من بعلبك. وتعميم مناخ بأن ثمة «إجماعاً» على ارتضاء معادلته من الآن فصاعداً، والخارجون على هذا الإجماع هم خوارج. عظيم. فليكن الاستفتاء. الاستفتاء الوطني، بالاقتراع العام، على سلاح «حزب الله». بل ليطرح الحزب بنفسه السؤال المراد استفتاء الناس فيه، بصدد سلاحه. فهذه معضلة جدية وحقيقية ينبغي معرفة كيف ينظر لها مجموع اللبنانيين بالفعل، في الصندوق، لا بالتخمين، ولا بطنين المراسلين الحربيين والمراسلات الحربيات، هواة التنقيب الاركيولوجي عن مخلفات أبو مالك التلّي وأبو السوس في الجرود.

يقبل الحزب نتيجة هكذا استفتاء او لا يقبل، لا همّ. المهمّ التوجه الى اعتماد هذه التجربة فعلاً، في كل القضايا الخلافية، كي نعرف رأي اللبنانيين ما هو، لان انتخابات نيابية بقوانين مزركشة ومواعيد مرجأة لا تفي بالمطلوب، وكذلك لا يفي به التشبيح من فوق، والتشبيح من تحت.