معايير اليمين والوسط واليسار في اسرائيل ليست مطابقة للمعايير المعروفة في العالم. فالحدود بين هذه التيارات مفتوحة أمام التنقل، إن لم تكن في بعض المواضيع مثل خط في الماء. والانقسام لجهة المواقف من التمسك بالأرض المحتلة وتهويد القدس وبناء المستوطنات والتعامل مع عملية السلام هو بين قوى متشددة وقوى متشددة جداً. وما أعادت تأكيده نتائج الانتخابات التي كثر الحديث فيها عن التغيير هو الثبات على طريق اليمين.
ذلك ان الناخب لم يعاقب رئيس الحكومة الذي أتعبه، وقاده الى أزمة مع رئيس أميركا التي هي شريان الحياة لاسرائيل، وجعله في شبه عزلة عن أوروبا. ولا هو تأثر بآراء النخبة وحملات الإعلام وادارة المعركة الانتخابية تحت عنوان نتنياهو أو لا نتنياهو. إذ أعطى نتنياهو ٢٤% من الأصوات، وأبقى الطريق أمامه مفتوحاً لولاية رابعة، بحيث يسجل أطول مدة لرئيس حكومة في تاريخ اسرائيل متجاوزاً حتى بن غوريون.
وليس في الأمر سحر ولا سر. فما وعد به رئيس الحكومة الذي ضجر منه الاسرائيليون بمن فيهم رفاقه في الليكود هو ما دغدغ العصبيات والغرائز: لا دولة فلسطينية. وما استخدمه من سلاح ضد منافسه اسحق هرتزوغ زعيم حزب العمل المتحالف مع زعيمة الحركة تسيبي ليفني في معركة خيار بيبي أو بوجي هو انه قال: لا وهما سيقولان نعم لكل ما يطلبه سيّد البيت الأبيض.
لكن السلاح الأقوى هو شعور الاسرائيليين انهم لم يدفعوا في السنوات الماضية ولن يدفعوا في السنوات المقبلة كلفة التطرّف والعنصرية وثمن الاحتلال. فلا الرئيس باراك أوباما قام بأية خطوة سياسية أو اقتصادية أو مالية أو أمنية لترجمة غضبه على نتنياهو الذي تحدّاه في الكونغرس، وأهانه في البيت الأبيض، ورفض مسايرته بوقف الاستيطان، ودفن مشروعه للتسوية. ولا القيادات الفلسطينية والعربية التي أدمنت السير وراء سراب اسمه التسوية الشاملة والعادلة تبدو في وارد الانتقال الى خيار عملي ضمن خطة منهجية لتدفيع اسرائيل ثمن الاصرار على التمسّك بالأرض المحتلة ورفض التسوية، وكلفة التطرّف والعنصرية.
ولا بأس وسط السلبيات، في أن يرى البعض خطوة ايجابية في فوز القائمة العربية المشتركة ب ١٤ مقعداً لتصبح القوة الثالثة في الكنيست. لكن المهم هو حدوث تغيير ملموس في الموقف الأميركي وتحوّل جدّي في الموقف العربي. بحيث ينتقل الاسرائيليون من الاطمئنان حيال غياب ردود الفعل على أفعالهم الى الخوف من الفعل ومن العجز عن تحمّل الثمن الكبير للاحتلال.
وليس تسليم الناخب بأنه لا بديل من نتنياهو الكاذب المخادع سوى رمز لكون اسرائيل في مأزق.