كما في لبنان كذلك في المنطقة: لا شيء يتقدم على الانشغال بالحدث الخطير الذي شهده الجولان، وبالأحاديث عن مرحلة ما بعده. ولا أحد يتوقع في الوقت نفسه تطورات دراماتيكية سريعة جداً في الرد على قيام العدو الاسرائيلي باغتيال كوادر قيادية في حزب الله والحرس الثوري الايراني في اعتداء جوي قرب القنيطرة. والطاغي على الأحاديث هو كثير من الأسئلة وقليل من الأجوبة. بعض الأسئلة دقيق ومرتبط بالمشهد الواسع للصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها، حيث حروب سوريا والعراق واليمن مترابطة وليست خارج التشابك مع الصراع العربي – الاسرائيلي وإن كانت الحرب على الارهاب هي العنوان الأبرز. وبعضها الآخر عادي وهامشي. أما الأجوبة القليلة، فإنها افتراضية الى أن تصبح ملموسة بالتطبيق، وفي طليعتها قول قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال محمد علي جعفري إن على الصهاينة أن ينتظروا صواعق مدمرة.
والانتظار مفتوح، ولكن تحت سقوف تحد من الاندفاع في التصعيد، أقله خلال الأشهر القريبة المقبلة. من سقف التفاوض على الملف النووي والنظام الاقليمي بين ايران ومجموعة ٥١ وبشكل خاص مع أميركا حيث المهلة في حزيران والعين على آذار الى سقف الانتخابات الاسرائيلية في آذار بما يمنع حكومة تصريف اعمال من اتخاذ قرار بشنّ حرب كبيرة. ومن سقف الانخراط القوي لحزب الله في حرب سوريا الى سقف الحسابات المرتبطة بالأوضاع المعقدة في لبنان وقيود القرار الدولي ١٧٠١ والتحسب لما يصعب تعويضه في الظروف الحالية المختلفة عن ظروف العام ٢٠٠٦.
لكن المسألة ليست الانضباط تحت السقوف أو خرقها. وعلى أهمية السؤال عمن يتولى الرد وما هو نوع الرد وأين ومتى، فان الأهم هو الهدف الذي من أجله ذهبت الكوادر القيادية الى الجولان، وخوفاً من تحقيقه قام العدو الاسرائيلي بغارة الاغتيال. انه فتح جبهة كانت مغلقة في الجولان لادارة المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي تحت عنوان جبهة واحدة من الناقورة الى الجولان وخصوصا بالنسبة الى جبل الشيخ. وهذا هدف كبير في الصراع الجيوسياسي يتجاوز تغيير قواعد اللعبة مع العدو، ويرتبط بحرب المحاور الاقليمية في سوريا والعراق ومن ضمنها الحرب على داعش والنصرة وكل تنظيمات الارهاب التكفيري.
واذا كان الرد على الجريمة حتمياً، فان أفضل مقدمة للرد هي ترك العدو قلقاً وحائراً ومستنفراً لا يعرف أين تأتي الضربة ولا متى. لكن الفارق كبير بين ردّ يقود، بالخيار أو بالاضطرار، الى حرب واسعة تخربط اللعبة كلها ومن ضمنها الهدف الكبير من فتح جبهة الجولان، وبين ردّ يبقي تحقيق الهدف الكبير ممكناً.
والسؤال عما يريده لبنان الرسمي محرج ومحزن.