IMLebanon

الرد على ضربة القنيطرة والأولويات الإيرانية

بعد اغتيال قائد “الجناح العسكري” في “حزب الله” عماد مغنية صانع انتصارَيْ لبنان على إسرائيل عام 2000 وعام 2006، بواسطة عملاء لها في دمشق أكّد الأمين العام السيد حسن نصرالله أن الردّ سيتم. ومع مرور السنوات، ومع عدم سماع جمهور “الحزب” و”الجماهير” المعادية له في لبنان وخارجه أي أخبار عن الرد الموعود، رجّح اللبنانيون أن تكون عوامل عدة دفعت قيادته إلى عدم تنفيذ وعدها معظمها إقليمي. وعندما تحوَّلت الثورة السورية حرباً أهلية قبل نحو 4 سنوات وتدخُّل مقاتليه فيها، بل انخراطهم فيها بكليتهم اعتبر هؤلاء أن “الحزب” ولبنان وسوريا والمنطقة دخلوا مرحلة جديدة دقيقة وصعبة وخطرة لا بد أن تشغلهم عن الرد على الاغتيال. إلاّ أن اكتشاف جاسوس لإسرائيل، كان كادراً مهماً في “الحزب” قبل أشهر، كشف للبنانيين عموماً وجمهوره خصوصاً أنه كان السبب في إفشال أربع عمليات رد على اغتيال مغنية خارج لبنان. وجعلهم ذلك يصدِّقون أن “الوعد” بالردِّ كان “صادقاً”.

لماذا هذا الكلام الآن؟

لأن “حزب الله” تلقّى أخيراً، ومعه مؤسسته وحليفته وراعيته وداعمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضربة موجعة في الجولان السوري المحتل ببضعة صواريخ من مروحية عسكرية إسرائيلية. ولأنه اتخذ قراراً بالرد عليها وإن لم يعلن قادته ذلك رسمياً. فهو من جهة لا يستطيع عدم الرد أو بالأحرى الوعد بالرد في الوقت والزمن اللذين يحددهما. ومن جهة ثانية أكدت حليفته إيران علانية بلسان مسؤولين كبار فيها أن “حزب الله” سيردّ “بصواعق مدمِّرة”. طبعاً كان اللبنانيون عموماً وربما محبو المقاومة وحزبها و”جمهوريتهم الإسلامية” يتمنون، من فرط وجعهم، وعداً إيرانياً بالرد المباشر ليس عنهم بل ربما معهم. ذلك أن الضربة التي تلقاها حزبهم في الجولان أخيراً كانت في الوقت نفسه ضربة موجعة لطهران، وهي مَن هي في عالم القوة العسكرية وسباق التسلُّح في المنطقة، سواء بشراء الأسلحة أو بتصنيعها.

كيف سيكون الرد؟ وما هو موعده؟ وهل يكون ثنائياً أو إفرادياً؟ وأين هي ساحته؟ وما هي انعكاساته على لبنان؟

هذه الأسئلة الكثيرة وأخرى أكثر منها لا يمتلك أجوبةً عنها أحد. فالمعنيون بتقرير الرد وتنفيذه بالكاد انتهوا من تشييع “شهدائهم” ودفنهم في لبنان وإيران. حتى “السبوع” لم ينته بعد. لكن الناس لا يستطيعون الإنتظار. بعضهم رغبة في شفاء غليله من إسرائيل المعتدية والمجرمة. وبعضهم خوفاً على بلادهم، والمقصود هنا لبنان وخصوصاً إذا كانت أرضه منصّة الرد على إسرائيل صاروخياً أو بشرياً. إلاّ أن الأمر ليس في يدهم. ومَن في يدهم الأمر لا يستطيعون الارتجال أو الاستعجال لأنهم جزء من صراع إقليمي – إقليمي كبير، وصراع دولي – دولي أكبر، وصراع إقليمي – دولي ضخم، وقبل ذلك كله صراع مذهبي أي سنّي – شيعي مخيف بل مرعب، ولأن بعضهم يخوض حالياً، إلى الصراع المشار إليه، مفاوضات ليس فقط على الطاولة في جنيف وفيينا ونيويورك وباريس وطهران وواشنطن وغيرها من العواصم المتورِّطة فيه بل أيضاً على الأرض في لبنان وسوريا والعراق واليمن وربما ليبيا ومصر والسودان. واللائحة تطول أو ستطول. والأرض بالصراع العسكري عليها وبالثروة النفطية في باطنها هي التي سترجِّح في النهاية كفة التسويات السلمية أو كفة دخول المنطقة كلها جحيماً طويلاً لن تخرج منه شعوبها ودولها وأنظمتها رغم العداء في ما بينها إلا مدمّرة أو مثخنة بالجراح.

ورغم كل المذكور أعلاه يستمر الناس في طرح الأسئلة إياها وفي إبداء التخوُّفات إياها وكذلك التوقُّعات. فبعضهم يقول إن الرد لن يكون من لبنان مباشرة لأن شعوبه ومنها شعب “الحزب” لا تحتمل تدميراً أشدّ من تدمير 2006 وضحايا أكثر من ضحايا ذلك العام المشؤوم. بل سيكون من الجولان لأنه أرض سورية وبذلك يكون رد إسرائيل على سوريا. وبعضهم الآخر يقول إن الرد سيكون عملية مشابهة لعمليات أخرى نفّذت في العالم (بيونيس آيرس عاصمة الأرجنتين). وبعضهم الثالث يتوقّع أو يتمنى رداً إيرانياً مباشراً وتنفيذ التهديدات التي أطلقها قائد “الحرس الثوري” وآخرون. وهذا كله غيض من فيض. لكنه متداول كثيراً. ولذلك لا بد من تناوله بعقلانية وموضوعية في “الموقف” يوم الاثنين المقبل، علماً أن الذين يفترض أن يردّوا على ضربة إسرائيل لإيران و”الحزب” في الجولان أخيراً، أو الذين سيردّون حتماً، يعرفون بوجود أولويات عندهم إقليمية ودولية قد تتقدم على تنفيذ “ردٍّ” وخصوصاً إذا ثبُت لهم وبالدليل القاطع أو الملموس أن هدف إسرائيل كان أولاً استهداف أولى هذه الأولويات. فما هي؟