بعدما تأكد أن ايران هي التي تمسك بورقة الانتخابات الرئاسية ولن تتخلى عنها الا بثمن لا أحد يعرف حتى الآن ما هو، فهل من مصلحة الوطن والمواطن تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب لزيادة طين التعطيل بلة والدخول في الفراغ الشامل القاتل؟
يقول سياسي مخضرم لو أن التعطيل يشكل ورقة ضغط على ايران وتجعلها تسهل اجراء انتخابات رئاسية لكان للتعطيل ما يبرره. لكن ما هم ايران إن تعطّل عمل كل المؤسسات وانهار الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، وما همّ ايران لو قامت تظاهرات واضرابات مفتوحة تطالب بانتخاب رئيس للجمهورية؟ فلو أن ذلك ينفع لكان اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم قاموا بها.
في الماضي اسقط اضراب عام مفتوح رئيساً للجمهورية، اما اليوم فلا يسقط أو يرفع رئيس لأن اللبنانيين منقسمون حول كثير من الأمور… حول موضوع الانتخابات الرئاسية، وحول قانون الانتخابات وربما حول هوية لبنان. نصفهم يريد انتخاب رئيس للجمهورية تطبيقاً للدستور وللنظام الديموقراطي ونصفهم الآخر يريد انتخاب رئيس ولكن خلافاً للدستور وخلافاً للنظام الديموقراطي.
لذلك فما دامت ايران لا يهمها ماذا يحل بلبنان اذا ظل من دون رئيس، فلماذا المضي في ايذاء اللبناني برزقه ولقمة عيشه، بتعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب، ولا يتم تعويض تداعيات الشغور الرئاسي بتفعيل عمل المؤسسات وذلك بتكثيف عقد جلسات لمجلس الوزراء لإقرار ما يهم الناس بعيداً من التناحر السياسي والحزبي والشخصي، وإلا تحمّل كل حزب وكل وزير وكل نائب مسؤولية تعريض لبنان للانتحار. وعلى مجلس النواب تكثيف عقد جلساته ايضاً لإقرار المشاريع التي تهم الوطن والمواطن لأن التشريع في هذا الظرف الدقيق هو تشريع ضروري وليس تشريع الضرورة. فما همّ أي خارج وتحديداً إيران، إذا ظل لبنان غارقاً في النفايات ولم يتوصل القادة فيه إلى حل لها؟ وما همّ إذا ظل قادة فيه يواصلون نحره بعدم بت القروض والمساعدات المقدرة بمليارات الدولارات ليزداد فقر اللبنانيين فقراً ويندفعون نحو الهجرة القاتلة براً أو بحراً؟
هل كان الرئيس نبيه بري في حاجة إلى ان يتوسل النواب لكي يقوموا بواجباتهم حيال الوطن والمواطن بدل أن يتوسلوه هم للدعوة إلى عقد سلسلة جلسات لإقرار كل ما هو ضروري من المشاريع ولاسيما قروض المؤسسات الدولية للبنان؟ وهل كان الرئيس تمام سلام في حاجة إلى الاستغاثة بالوزراء لكي يقوموا بواجبهم ويحضروا جلسات مجلس الوزراء؟ فأي منطق يقول بتعطيل عمل كل المؤسسات رداً على تعطيل عمل مؤسسة الرئاسة الأولى بإرادة خارج وتواطؤ داخل، خصوصاً ان تعطيلها لا يحيي عمل المؤسسة الرئاسية ما دام اللبنانيون منقسمين وإرادتهم ليست واحدة ولا هي حرة في اتخاذ القرارات؟
الواقع ان التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية لو أنه يتم بالتظاهر والاضراب أو بتعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب لكان الجميع مع هذا الرأي. أما وأن ورقة الانتخابات الرئاسية هي في يد إيران تحديداً ولن تؤثر في موقفها لا تظاهرات ولا اضرابات ولا تعطيل عمل مؤمسسات بل صفقات تنتظر عقدها ليكون لها دورها ولنفوذها حجم في المنطقة، فلا مصلحة إذاً لكل مسؤول ولكل سياسي أن يزيد في طين تعطيل الإنتخابات الرئاسية بلّة بتعطيل كل المؤسسات من دون تحقيق أي هدف سوى المزيد من التدهور الاقتصادي والانهيار المالي. فليس سوى العودة إلى العمل داخل الحكومة وداخل مجلس النواب ما يعوِّض تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية الذي بات انتخابه مرتبطاً ويا للأسف بخارج وبداخل مرتبط به، لا بل مرتهن له. فهل هكذا نحبّ لبنان أيها القادة؟!