لم يعد أحد يأبه للنبرة الحادة والسقوف العالية في السجالات الحامية بين المكونات السياسية اللبنانية، ولا حتى للتلميحات حيناً والتهديدات حيناً آخر، الصادرة عن رئيس الحكومة وبعض الوزراء. والاقتناع العام السائد هو أن هذه الحروب الكلامية الساخنة ما هي الا النسخة السياسية عن حروب الزجل الملتهبة في الشعر الشعبي. وكما في مهرجانات الزجل، كذلك في السياسة، يقوم المتبارون بإلهاب حماسة الجمهور بمبالغاتهم وعنترياتهم، ولكنهم يأخذون بعضهم بعضاً بالأحضان، ويتبادلون تقبيل اللحى، قبل الحفلة وبعدها! وما يفعله شعراء الزجل أمام الجمهور وعلى المسرح من تحديات وقبلات، يفعله السياسيون أيضاً على طريقتهم: يتحاربون أمام الجمهور، ويتباوسون في الحوارات الثنائية أو الجماعية! وهذا جيد على كل حال…
***
أثبتت التجربة أن التحديات السياسية المتبادلة، حتى بين طرفين من أكثر المكونات الحزبية الفاعلة في لبنان، تقف عند حدود مرسومة سلفاً ولا تتخطاها من الشفهي الى العملي! واذا كانت ساعة بيغ بن الشهيرة التي تضبط ايقاع الزمن في العالم كله، قد توقفت الآن عن العمل بسبب اعمال الصيانة، فقد أثبتت المكونات السياسية اللبنانية أنها تملك في معاصمها وجيوبها وعلى جدرانها ساعات بيغ بن خاصة بها، لا تقدم ولا تؤخر ولا تتوقف ولا تخرب ولا تُستهلك. وعلى وقع هذه الساعات يتم ضبط برامجهم في الحركة والسكون! والاقتناع العام السائد في البلد أن كل حراك داخلي، سياسي أو حكومي، انما هو ممسوك ومدوزن على ايقاع بيغ بن سياسية خارجية!
***
في الآونة الأخيرة، بدأ صبر الرئيس تمام سلام ينفد! وفي مناسبات عديدة ألمح الى موقف سيتخذه في حال استمرار العرقلة والتعطيل في الملف العاجل والحارق المتعلق بالنفايات. وبدا وكأن رئيس الحكومة أطلق انذاره الأخير، لافتاً كل الأنظار الى ما يمكن أن يفعله الخميس اليوم اذا بقيت أزمة النفايات عالقة. وحرصاً على هيبة رئاسة الحكومة ورئيسها، فان اول ما ينبغي على الرئيس تمام سلام تجنبه، هو أن يلقي خطاباً مؤثراً ويختمه بقوله: أللهم إني قد بلغت! ذلك ان التبليغ هو مهمة الرسل، لا رؤساء الحكومات! أما مهمة رئيس الحكومة القابض على كامل السلطة أو على نصفها أو حتى على ربعها، فهي الاقدام والعمل وتنفيذ ما يراه في مصلحة الشعب… أو يحاول على الأقل! وستعذره الناس اذا فشل، ولكنها لا تستطيع أن تعذر اذا لم يقدم! –