IMLebanon

المقدِّم مهرِّج والبرنامج مَسخَرة

إنتو متصوّرين مثلاً إنّو الجمهور اللبناني قاعد على نار ومشردق بعودة البرامج التلفزيونية المسائية إلى الشاشة، صدّقوني مِش فارقة معو هذه البرامج، سياسية كانت أو اجتماعية أو كوميدية أو ترفيهية.

وبربّكم، لماذا تظنّون أنه قد ينتظركم من موسم إلى آخر وأنتم لم تقدّموا له في الموسم السابق أيّ شيء يضحِكه أو يَصفعه أو يُرفّه عنه ويثقّفه أو حتى يساهم في تغيير شيء في حياته القرفان منها أصلاً.

كِلها يومين أو أكثر ويبدأ الموسم التلفزيوني لخريف وشتاء وربيع 2016 – 2017، وتنطلق معه البرامج الحوارية على كافة أشكالها التي تعتمد عليها المحطات لتأمين ما تيسّر ممّا بقي من نسَب مشاهدة ورايتينغ.

لكنّ هذه البرامج تثبت موسماً بعد موسم حجم فشلِها وتخلّفِها في أداء اللعبة الإعلامية الترفيهية التلفزيونية الناجحة. فكلّ محطة نصّبَت لنفسها برنامجاً ترفيهياً يقود مشاهدي ما بعد الأخبار الزهقانين إلى واحة من المسخرة والتهريج والاستنساخ المفضوح.

إنّو يابا أذكيا، ولا يوجد واحد ممّن يدّعون إدارة الحوارات وتقديم الفقرات الترفيهية والكوميدية يمتهن صنعتَه كما ينبغي، وكلّهم يلهثون خلف ضيوف الصفّ الأول ليَرفعوا من مكانتهم، وكلّ ذلك على حساب مضمون برامجهم وحنكةِ فقراتهم وذكاء نصوصهم.

في لبنان، يأتي «ضيف الصفّ الأول» بالأوّل، فيفرض تغيير الديكور ويشرف على الإعداد والأسئلة والضيوف والجمهور وإخراج الحلقة ومونتاجها، ويدحش إصبعه في كلّ تفصيل، وفي النهاية لا يتجرّأ أحد على حشره في سؤال أو فضحِه في معلومة… فتغرق الحلقة في التبخير ولا يتغيّر شيء في الدنيا سوى حجم جناحي الضيف المبجّل.

وطالما إنّنا لم نخرج من حقبة التسعينات التلفزيونية ولا زلنا نهوى تعريب ولبننة البرامج الغربية، لماذا لم نَعمد مرّةً إلى تعريب شيء من المضمون… فعوض أن يركض البرنامج خلف الضيف، يصبح الضيف قاتل حالو كرمال يبيّن في هذا البرنامج أو ذلك.

لماذا قد يظهر باراك أوباما، رئيس أعظم دولة في العالم، مع جيمي فالون ليؤدي أغنية كاريكاتورية، ولماذا قد يظهر لخمس دقائق مع إيلين دي جينيريس لتقديم رقصة هزلية، ولماذا يتكبّد عناء سماع هجاء دايفيد ليترمان والانكشاف أمام الجماهير… إنّ أوباما والأكبر منه في السياسة والإعلام والفنّ والترفيه في أميركا يتمنّون الظهور في هذه البرامج لأنّها قوية وفاعلة ولديها متابعون أكثر من مباريات كرة السلة أو الفوتبول الأميركي.

مشكلة برامجنا المحلّية أنّها مِفتكرة المشاهد غبي ومِش دريان باللعبة، وهي مخطئة تماماً لأنّها خسرت ولاء المشاهدين الذيم ملّوا لعبة «الغمّيضة واللقّيطة» بين البرامج التي ما زالت تظنّ أنّ منافسها هو على الشاشة الأخرى، ولا تعرف أنّ منافسها الحقيقي هو وعي المشاهد ومتابعته لمواقع التواصل الاجتماعي و«يوتيوب»… ولماذا قد يشاهد البرامج المسائية إذا كان كلّ ما تقدّمه هي ما رآه على «فيسبوك» في الصباح، وكلّ ما تركّز عليه هي أخطاء الآخرين وهفواتهم وبطولات الضيوف… فهل مِن الضرورة أن نصيب الترفيه اللبناني بطائفية تشبه تلك التي ينقسم عليها السياسيون؟

بئسَ ترفيه تعتمده برامج هياكلها من زجاج ولا تمتهن سوى رشقِ الآخرين بالحجارة، عوض الاستعانة بكتّاب ومبدعين ومستشارين إعلاميين يديرون دفّة البرامج ويَخلقون لها هوية «يِستحلي الواحد» يحضرها، ويسمع أسئلتها ويتلذّذ بقفشاتها ونكاتها ويتثقّف بسخريتها.

نجيب حنكش بالسبعينات كان أهضم من كلّ مقدّمي البرامج الترفيهية الكوميدية وأذكى منهم وأجرأ منهم في أسئلته وطروحاته.

فهل يستاهل الإعلام اللبناني الريادي أن يكون إعلاميّوه اليوم مجرّد مهرّجين؟ ألا يستحقّ أن يكون فيه مقدّم برامج قادر على إيقاف عقارب الساعة طوال فترة العرض وتسمير المشاهدين في كراسيهم إلى حين انتهاء الحلقة؟

لا يبدو أنّ السياسات الإعلامية تسعى إلى خلق فضاءٍ إعلامي ذكي وهادف، وليس هناك أكثر من محاولات لسرقة مشاهد من تيك المحطّة ومتابع من تلك، في فوضى البرامج المستنسَخة والأفكار المجترّة على الهواء وضيوف «طيزُن نقّالة».

كلّ ما نشاهده على الهواء هو ترفيه باطل وضحكة مشاهديه صفراء، وإذا كان الموسم المقبل على شاكلة سلفه، رَح نجبلا زيوان لحنّة.