IMLebanon

تقارير في أروقة المخابرات الغربيّة لإضعاف المسيحيين وتهجيرهم

لم تكن هذه الآونة المفصلية في حياة المنطقة وسكانها منطلقاً وحيداً وسبيلاً لدخول الخوف الى نفوس الاقليات وخصوصا المسيحيين منهم، بل ثمة شريط طويل من الاحداث كشف عن وجهه التهجيري او الترحيلي للمسيحيين في الشرق، ابتداء من اوائل السبعينات عندما رأى كيسنجر من مطار القليعات «خصوبة» الارض اللبنانية لنجاح مؤامرة تفكيك الدولة اللبنانية ومعها الطوائف. وكان المسيحيون من اوائل المستهدفين كونهم يملكون السلطة آنذاك والحل والربط في مصير البلاد، وما اكثرها وقاحة وتطابقاً مع ما يجري اليوم من تهجير المسيحيين في الشرق عموماً ولبنان على وجه الخصوص، وهذه الوقاحة تجلت بكلام اميركي على لسان دين براون حين عرض على رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك السفن لترحيلهم الى كندا.

وتكشف مصادر كنسية مطلعة ان طلب الأمس يلامس هوامش الكلام الغربي اليوم للمسيحيين العراقيين والسوريين بالذهاب الى اوروبا لتشغيلهم في الاراضي الزراعية. وكانت فرنسا هذه المرة وهي الام الحنون التي كسرت ذلك القلب وبات جافاً ومتحجراً الى حد المجاهرة بالحديث عن صعوبة عيش المسيحيين في البحر الاسلامي في الشرق، وتستعرض المصادر الكنسية مراحل استهداف المسيحيين في لبنان لتقول ان ما يحدث ليس مجرد كلام غربي بل هناك اوراق مكتوبة في اروقة المخابرات الغربية عن برنامج يطال التواريخ والمناطق واضعاف الدور المسيحي تمهيداً للوصول الى اليأس والهجرة التي تتطابق مع خطورتها بعوامل التهجير الممنهج دون معرفة الاهداف الكامنة وراء هذه الدعوات المشبوهة وكأن المسيحيين اصبحوا يشكلون عبئاً على مسيحيي الغرب فيما المسلمون ليس لديهم اجندة خاصة في هذا المجال سوى تثبيت مواقعهم في السلطة التنفيذية دون الولوج الى مسائل الترحيل وبات المسلمون العرب أرحم وأشد حاجة من المسيحيين على عكس الادارة السياسية في الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية وبالتالي بات التطلع نحو الطوائف المسيحية من قبلهم بجانب من العين الواحدة سبيلاً لتركهم يحددون مصيرهم بأيديهم.

وتقول هذه المصادر ان جملة من الوقائع لا بد من سردها لتبيان حقيقة امر الترحيل وفق التالي:

– اولا: صمد المسيحيون إبان الحرب الاهلية بالمتيسر من السلاح واسباب البقاء وقاتلوا وتم تهجيرهم من ارضهم الاصلية على اساس ان سبل العودة لم تعد قائمة بفعل الاسس التي تم اتباعها في تهجيرهم وهو ابعادهم عن منازلهم وقتلهم ثم جرف البيوت والقرى ان كان في الجبل او شرقي صيدا او اقليم الخروب، ومعنى الجرف هذا تتوقف عنده المصادر لتؤكد ان المراد كان عدم العودة الى ارض الاجداد بشكل نهائي ما دامت الارض مصادرة والمنازل مهدمة.

ثانيا: مع هذا التهجير الداخلي الذي جمع المسيحيين بين ضفتي جسر المدفون وبعبدا بات امر استهدافهم أسهل حتى ولو من الداخل وهذا ما حصل اذ ان الذي استطاع الهروب من بلدته تهجيراً مات في حروب الاخوة وهذا الامر لم يكن بريئا على الاطلاق فوقائع حروب المسيحيين فيما بينهم أنتجت اجيالا منقسمة على بعضها وأورثت الآباء الاولاد الاحقاد والضغينة فما كان من سبيل للعيش سوى الهجرة التي تصاعدت نحو البلاد البعيدة مثل كندا واستراليا والبرازيل ولم تكن الهجرة سوى باتجاه وحيد دون عودة بحيث اقتصر الرحيل نحو البلدان التي لا رجوع منها ولم تكن باتجاه دول قريبة بانتظار الفرج.

ثالثاً: أمعنت اسرائيل في قسمة المسيحيين على خلفية دينية عقائدية سبيلاً للتقاتل او الهجرة وعملت على تشجيع التعامل معها على خلفية الخلاص من كوابيس الفلسطينيين الا ان النتائج جاءت كمن يضع السم في العسل ولم تعارض لا اميركا ولا اوروبا اعمال اللوبي الصهيوني بل اصبحت هذه الدول زبائن للفرجة على مخططات جهنمية لم يستطع الجسم اللين للمسيحيين تحمله فأصبحوا في زمن الاقليات أصغر اقلية بعد ان كانوا يشكلون سبعين بالماية من سكان لبنان.

رابعاً: تجاهل القادة المسيحيون عن قصد أو سوء رؤية مستقبلية قوة المهاجرين ولم يستطيعوا اعطاء جنسية للاصليين منهم، هذا في زمن القيصر الماروني الذي كان يتحكم بمفاصل الدولة، اما الآن والحال معروفة ورئيس الجمهورية يداه مكبلتان اذا تمت عملية انتخابه فكيف بامكانه استرجاع من رحل دون عودة من المسيحيين، وتعطي هذه المصادر وصفاً للذي حصل بأنه خطأ تاريخي لا يمكن ان يتم تعويضه ابداً ذلك ان امكانيات المسيحيين تدنت الى الحد الادنى وباتت استعارة منافذ القوة كي تكون متينة بالذهاب نحو الطوائف الاسلامية التي حسب الواقع الحالي تعلمت من اخطاء الموارنة على وجه التحديد الذين تحكمت بهم شهوة السلطة دون التطلع نحو الافق او المستقبل فيما المسلمون سنة وشيعة يعملون على بناء ذاتهم لمئة عام الى الامام وليس في الامر مشكلة ما داموا يحسنون قراءة التاريخ ورسم الجغرافيا.

خامساً: ما يلفت هذه المصادر الكنسية هو حسن استقبال طلبات الهجرة المسيحية في الآونة الأخيرة وهذا ما يدعو الى الخوف والرعب على حد سواء ذلك ان سعي البطريركية المارونية منذ زمن طويل الى التضييق في اعطاء التسهيلات خصوصاً لعنصر الشباب ولكن ما هو حاصل اليوم يتماهى مع الكلام العلني للمسؤولين الاوروبيين حول بقاء المسيحيين!!

سادساً: لم تتجاوب الدول الكبرى مع زيارات البطاركة الموارنة وغيرهم من الطوائف المسيحية الى دول القرار وحتى ان اياً من النتائج يتبين ظهورها بالرغم من الشرح المسهب لاحوال المسيحيين في لبنان والشرق وبات اباء الكنيسة على وشك التأكيد ان الغرب قد تخلى نهائياً عن المسيحيين وعليهم تقليع الشوك بأيديهم في مسيرة محفوفة بالتطرف والتكفير بانت مظاهرها في الموصل التي شكلت درساً للمسيحيين اللبنانيين او عليهم دراستها كيف تم تركهم لمصيرهم وتم بيع نسائهم واغتصاب فتياتهم، فالمشهد واضح، هكذا تتعامل اميركا واوروبا مع الواقع ولا تريد التدخل في ما يشبه الساكت عن الجريمة الكبرى.

سابعاً: عرف المسيحيون واقعهم الحالي وتوجهوا نحو الداخل الى شركائهم المسلمين سنّة وشيعة على أمل احياء الشراكة الحقيقية على وقع التمايز الديمغرافي وعامل القوة، ولكن ما حصل مع المسلمين ان عامل العروبة لديهم والجامع للقوميات والطوائف قد تلاشى لصالح التمذهب وبات عى المسلمين حماية مذاهبهم بانفسهم فكيف لهم ان يحتضنوا اخوتهم المسيحيين ومصيبتهم اكبر واعمق!! وبذلك يكون المسيحيون في لبنان قد اصبحوا عراة من الداخل والخارج وما عليهم سوى الاتكال والاستناد الى عامل تقوية الوحدة فيما بينهم مهما كانت الخلافات قائمة، فاهل داعش والنصرة لن يسألوا عن كون المسيحي قواتياً او عونياً او غيره من الانتماء فالجميع في مركب واحد ومصير معروف. ولهذا تستغرب هذه المصادر التردد عن اللقاء الفوري بين الجميع اقله لواجب الوجود في المنطقة قبل ان يقرع جرس الرحيل!!