IMLebanon

تمثيل

ألا يزال إنسان الأرض يثق بمن يختار ليمثله في مطلق مجتمع، وقد أدرك ان من يشارك في بناء الدساتير والدول إنما يفعل من باب مصالحه الخاصة جداً أولاً وآخراً؟ وتظل الشعوب سلالم يتسلقها السلطويون، جبابرة كل الأزمنة، شعارهم كذبة ديموقراطية خبيثة رافقتهم منذ التاريخ القديم، فالشعوب تهيئ للحكام مساحات “التمثيل”، ولا يقابلهم أهل السلطة إلا بالإهمال وبالاحتقار وبالإهانة عندما تدعو الحاجة.

ويمثلون كأنهم آلهة ويمارسون التمديد والتهديد، كما عندنا في “لبنان” مشروع وطن ما تمّ بعد مذ نشر جدودنا حروف الكلام على كل بقاع الأرض، فصرنا ملوك الثرثرة. واليوم استفاق بعض من الشعب على عقم اختيار ممثلين له، عاطلين عن الضمير والإنجاز، منشرحين عند كل تمديد لولاياتهم القاحلة ليجنّبوا الوطن ويلات وهمية، ستنزل عليه كالقدر المحتوم لو هم رحلوا، كأن الخالق ختم خلقه بقاماتهم واستراح.

هو عصر انحطاط يضرب إنسان الكوكب أينما كان، وقد حطّ ثقله الأكبر في شرقنا الأوسط، شرق باقة أديان نزلت علينا منذ قرون كثيرة، والنتيجة مسلسلات رعب شاهدها من أتى قبلنا بالأمس البعيد تجتاح القارات، ونشاهدها اليوم فوق أوطاننا وسط علامات استفهام كثيرة وشكوك أكثر، فيهبّ رجال الدين مطمئنين الى ان لا دخل للأديان بسيناريوات إرهاب نشاهدها، ولا بأبطالها، ولا بضحاياها. وعلينا التكاتف لمواجهتها كي لا تهتز سلطاتهم الأرضية، ولا تخدش صفحات إيماننا، ولا يتعرض حكامنا لسوء أو لمساءلة.

وإنسان شرقنا بالذات حجر بين شاقوفين. حياته ثمرة اختبار بشري متراكم منذ ما قبل رسائل السماء وما بعدها. هو ضحية مؤسسات دين ودنيا، حكام ما عرفوا كيف يفصلون الدين عن الدولة ليتساوى الجميع في كل الحقوق، وفي فرص التحرر والتطور. وضاعت حقوق شعوبنا، وأكل الرجل حقوق المرأة والطفل، وقضى على توازن المجتمعات.

ولا نزال نفاخر في لبنان بنعمة “عيش مشترك” يميّزنا، ونصدق اننا أهل رسالة في شرق أوسط ما عادت تشرق عليه الشمس. وعلى رغم اننا ننتمي الى مذاهب كثيرة، مختلفة إنما غنيّة، استطعنا ممارسة فضيلة العيش المشترك : أعجوبة الكوكب المدهشة نحن، كأن ما تبقى من مليارات أهل الأرض ينتمون الى دين واحد هبط عليهم من غير سماء، وحّدهم، بينما فرّقتنا أدياننا الكثيرة، فتحدّيناها وعشنا معاً متآلفين، وما مارسنا يوماً لا التهجير ولا القتل ولا الإبادة حتى داخل المذهب الواحد، لا في تاريخنا القديم ولا في الحديث جداً.

جهل مميت يقبض على أنفاسنا في هذا الشرق الغبي المغمّس بالكذب، فلا نطور لا فكرنا السياسي ولا الديني ولا المدني، ونظل على ضياع مربك بين الأرض والسماء أينما بنينا قصورنا، وأينما ربطنا سياراتنا الفخمة الرباعية الدفع.