لم أكن بوارد التعقيب على ما ذكرته النائب سنتيا زرازير، تحت قبة البرلمان، عن تعرُّضها لسُلوكيّاتٍ مُشينة من زملاء لها في البرلمان، وعثورها على عدد من الواقيات الذكرية ومَجلات إباحيَّة في المكتب الذي سُلم إليهإ، لو أن المعنيين في المجلسِ النيابي وباقي زملائها، أبدوا شيئا من الرَّفضِ والامتعاض، ولو بالحد الأدنى. لما تعرَّضت له زميلتهم، وما سبق وتعرضت له زميلات أخريات سابقا. سبق لي منذ ما يُقارب الشهر أن نَشرتُ مقالا عبر جريدة «اللواء» الموقرة بعنوان «الفجور السياسي في لبنان زلَّات لسان أم فحش وبذاءة كلام»، وذلك تعبيرا عن الهبوط في أدبيات التَّخاطب السياسي بين من يعتبرون أنفسهم مسؤولين سياسيين في لبنان.
لقد أضحت السَّفالةُ في التَّخاطُبِ السياسي في لبنان من قبيل البُطولاتِ التي يتباهى بها البعض من سياسيينا، ويستسيغون التلفُّظَ بها أمام عدسات وسائل الإعلام لإظهارِ بطولاتِهِم، بدلا من الشُّعور بالخجل والخزي والعار.
ما شكت منه جَهارةً النائب سنتيا زرازير، على الرغم من مَرارتِهِ وكونه لا يصح تناوله على الأشهاد، يُعبّرُ عن وَضعٍ مُشين يَحصلُ داخل وخارج أروقة مجلس النواب، الذي من المفترض أن يشكّل منهلا للضوابط القيمية والأخلاقية التي تُهذِّبُ المُجتمع بإقراره قوانين حمائية رادِعة للفاسدين والمفسدين أخلاقيا، وربما مثل هذه الشناعات تحصلُ داخل حَرمِ العديد من مؤسَّساتنا الدُستورية والإدارية. ما يدفعنا للاعتقاد بأن سبَب الفُحوليَّةِ الزائدةِ التي يتمتَّعُ بها بعضُ النواب وغيرهم من الذكوريين المبالغين في ذكوريتهم، يرعون (يأكلون) شلش الزلوعِ قبل أن يعلن أحد الرعاة اكتشاف مفاعيله لهذه النبتة التي تفعل فعلها لدى فحول الماعز، أو لإفراطِهِم في تناولِ حبوب الفياغرا.
إن ما شكت منه النائب زرازير ينبغي ألا يمرَّ مرور الكرام، كما لا يمكن السُّكوتُ عنه، ولا تجاوزه، على غرار ما يحصل تجاه ما درج البعض من النواب على التفوّه به تحت قبة البرلمان من بذيء الكلام، كـ: سد بوزك، وطبق تمك.. وغير ذلك…
هذا القباحات وإن تكن كلامية، من المستهجن كيف تم تجاوزُهاُ والتعاملُ معها وكأنها وردت في تَصريحٍ سياسي عابرٍ لا قيمَةً سياسِيَّةً او اجتماعيَّة له. هذه السُّلوكيَّاتُ لو كُشف عن حصولها في دولةٍ تَحترمُ ذاتها لشكّلت فضيحة سياسية وأخلاقية تصدَّرت كل الأولويات ولأدَّت إلى استقالاتٍ جماعيَّةٍ في مجلسِ النواب، ولكان الضَّالعون بها استقالوا طواعيةً واعتَذروا من الشعب وممثليهم بالتحديد قبلَ افتِضاحِ أمرهم لتلافي المزيد من احتقار الناس لهم.
إن ما شكت منه النائب سنتيا زرازير لا يدينها، وليس مدعاة لخجلها، وليس من قبيل النكات والفكاهات التي يتم التعامل معها بسذاجة، بل ان النائب تستحق التهنئةُ على ما قامت به، كما على جرأتها، ولو سبق لزميلات لها وقاموا بما قامت به لدى التحرش بهن أو التنمّر عليهن لما وصل الأمر ببعضِ النواب للتمادي بإسفافهم والتصرف على هذا النحو من العهر والفجور. إن ما تضمنه التصريح المشار إليه ينطوي على إشكالية إخلاقية محورية أثارتها النائب زرازير بعفوية غير مقصودة، وهي إشكالية ينبغي التصدي لها، وعدم إهمالها، وهي تستوجب مُعالجتها بأسرع وقت، علَّنا نخرج من مآثر الذُّكوريَّة المبالغ فيها، والتي يبدو أنها نتاج حالةٍ مرضيةٍ متأتية عن إفراطٍ في إفرازِ هرموناتٍ فُحوليَّةٍ، لدى أشخاص في غير مَكانِهم وفي مواقع لا يليقون بها، أشخاصٌ فارغون ذهنيا تافهون فكريا، مهووسون جنسيا، أوصلهم القَحطُ السِّياسيُّ إلى الندوة البرلمانية.
إن هذه السلوكيات المُشينة المقيتة مرفوضة ومدانة، سواء كانت بغرض التنمُّرِ على نائبةٍ في البرلمان أو جاءت كمُخلفات لسُلوكياتٍ داعرةٍ وقٍحةِ داخِلَ أروقة المجلس وغرفه ومكاتب النواب أو الموظفين. وهي تستلزمُ بعد كل ما انكشف من فظاعاتٍ تفتيشَ الداخلين الى مجلس النواب تلافيا لممارسات منافية للحِشمة، أو منعا لإدخال الممنوعاتِ بكل أنواعها، بدءا بالمجلات الإباحية وصولا إلى المخدرات مرورا بالواقيات الذكرية وغيرها…
من المعيب ألا يبادر النواب النساء في المجلس إلى الانتفاض لكرامتهن، وتوقيا للمزيد من النجاسة في المجلس. ومن المعيب أيضا الا يبادر المَعنيون في مجلس النواب إلى تخصيصِ جلسةٍ سريَّةِ وعلى عجل للتداول بما أفصحَت عنه إحدى زميلاتهم، تُخصَّصُ حصرا للتداولِ بكل ما تضمنه التصريح، وما يتعرضن له النواب الانثويات خلالَ جلساتِ انعقادِ المجلس كما خارجها من تنمّر ذكوري من زملاء لهم سواء كان من قبيل التحرش اللفظي أو غيره مما ينمّ عن انحطاط أخلاقي، واجتماعي، ويكشف ان بعضا ممن يشغل مقاعد نيابية غير جدير أخلاقيا في تمثيل الأمة.
أما وقد تم التعامي عن هذه المسألة الأخلاقية الهامة وتجاهلها، فإنني كمواطن لبناني أربأ بهكذا سلوكيات، وعليه أدعو إلى تشكيلِ لجنة تحقيق برلمانية، يوكل إليها التحقيق بهذه القضية، وأن يصار إلى إطلاع الرأي العام على ما يتوصل إليه التحقيق من نتائج، وكشف هوية صاحب المكتب الذي عثر بداخله على مجلات خلاعية وواقيات ذكرية، أو من أوصل تلك القذارات الى المكتب، وأسباب ذلك. كما كشف أسماء المتحرشين البذيئين الذين تعرضوا للنائب سنتيا زرازير أو غيرها، واتخاذ الاجراءات المسلكية بحقهم، والعدلية ان اقتضى الأمر، كأن يحرمون من مزاولة نشاطاتهم السياسية لفترة زمنية مُحددة «عقد أو عقدين»، وأن يقضى عليهم بغرامة مالية تتناسب مع فظاعة أفعالهم الشائنة، وليكتشف الشعب كل الشعب حقيقتهم، وحبذا لو ان قطع الأعضاء سياسة عقابية مُعتمدة في لبنان.
ad
وعليه نأمل ممن يطلقون على أنفسهم بالنواب التغييريين أن يبادروا فورا إلى تقديم اقتراح قانون يحظر كل أشكال التنمّر الذكوري وغير الذكوري، داخل وخارج جميع مراكز مؤسَّساتِ الدولة وإداراتها وإقليمها.
والعمل على إحالة كل المتنمرين فحوليا في المجلس إلى لجنة طبية لمعاينتهم لتشخيص حالتهم المرضيَّة غير المُرضية، وليته تعتمد حيالهم حلولا بدائية، فيعالجون كما تعالج ذكور الماعز عبر استئصال غددهم الذكورية للتخفيف من مفاعيل تغليب فحوليتهم على عقولهم.
قلت ما قلت، مؤكدا على أنه لم يسبق لي أن التقيت النائب سنتيا زرازير، ولا علم لي بتوجهها السياسي، ولم يسبق لي أن استمعت الى أية مقابلة أو تصريح لها، جلّ ما في الأمر انه استفزتني سُلوكيات رعناء تافهة، ممن يجدر بهم أن يكونوا على قدر التحديات التي يمرّ بها الوطن، كما من باب الحرص على عدم تفشي ظاهرة التنمّر الذكوري بين أروقة مجلسنا النيابي الكريم. ويا أسفاه على مجلس تتفاحل فيه صراصيرُهُ وخفافيشه، وتتنمّر على بعضها البعض.