من المفترض ان يسلّم وزير المال غازي وزني، اليوم، الى رئيس الحكومة حسان دياب لائحة بالمرشحين للتعيين نواباً لحاكم مصرف لبنان ومفوض الحكومة لديه واعضاء لجنة الرقابة على المصارف، على ان توزّع مع النبذات توطئة لجلسة الخميس
امام مجلس الوزراء في جلسة الخميس سلة تعيينات تحوي النواب الاربعة لحاكم مصرف لبنان المنتهية ولايتهم في نيسان 2019 الى مفوض الحكومة لديه، والاعضاء الخمسة في لجنة الرقابة على المصارف المنتهية ولايتهم قبل يومين فقط. للاولين اهمية سياسية منبثقة من الدور المعوّل عليهم لاحقاً، فيما لجنة الرقابة ذات وظيفة تقنية محضة.
حتى مساء امس كانت العقدة عالقة عند رئيس البرلمان نبيه بري الذي سمّى مرشحاً واحداً له هو وسيم منصوري، بينما تمنى المعنيون عليه اضافة اسماء اخرى كطلال سلمان ووائل حمدان وطلال الزين. بيد انه متمسك بالاسم الوحيد، منصوري، ومصرّ عليه. عند حل العقدة الشيعية تتدحرج سائر الاسماء: رئيس الحكومة حسان دياب يريد سليم شاهين، الوزير السابق جبران باسيل متفق مع حزب الطاشناق على الاسم الارمني، النائب السابق وليد جنبلاط سمى فادي فليحان فأُجيب بالرفض. في سرّ هؤلاء اسم واحد رغم تعدد المرشحين.
ليس سراً ان السجال على تعيين النواب الاربعة للحاكم، المؤجل من جلسة الى اخرى، اتسم بطابعين متلازمين: احدهما شكلي تقني نجم عن اعتراض رئيس الحكومة في الجلسة السابقة لمجلس الوزراء على عدم تقدم وزير المال غازي وزني بثلاثة اسماء للمرشحين مع نبذاتهم لكل منصب، انسجاماً مع ما كان دياب اتفق عليه مع رئيس الجمهورية ميشال عون، فارتؤي تأجيل هذا البند الى حين انجاز اللائحة. الآخر سياسي مرتبط بسعي الافرقاء الواقفين وراء ستارة الحكومة الى اختيار اسماء نواب الحاكم، طبقاً لانتماءاتهم الطائفية، بما يتطابق مع الولاء السياسي، معطوفاً على موقف مضمر هو التخلص من رجال الحريرية السياسية في مصرف لبنان، العميقة الجذور منذ اختار الرئيس رفيق الحريري عام 1993 رياض سلامة لحاكمية المصرف، وصار الى تعيينه في مجلس الوزراء. استمر الرجل في منصبه مذذاك طوال 27 عاماً بلا انقطاع، ماراً بعهود الرؤساء الياس هراوي واميل لحود وميشال سليمان انتهاء بعون – وبالتأكيد مع حكومة الرئيس سعد الحريري – آخر مجددي ولاية الحاكم عام 2017.
بذلك يتوخى التعيين الجديد في مجلس الوزراء الذي تقف وراءه قوى 8 آذار، انهاء ذلك الشريط الطويل من نفوذ الحريرية السياسية في القطاع المالي كي يقتصر على الحاكم، لكن محاصراً هذه المرة.
يكاد يكون عادياً استمرار حاكم لمصرف لبنان في اكثر من عهد: اول الحكام فيليب تقلا رافق الرئيسين فؤاد شهاب وشارل حلو، وثانيهما الياس سركيس رافق حلو والرئيس سليمان فرنجيه، وثالثهما ميشال الخوري رافق في تعيين اول الرئيسين الياس سركيس وامين الجميل ثم في تعيين ثان هراوي، ورابعهما ادمون نعيم رافق الجميل والشغور الذي تلا عهده وصولاً الى هراوي. اطولهم عمراً الخوري تسع سنوات. لكن المفارقة ان عمر ولايات الحكام الاربعة السابقين هؤلاء، وهو 27 عاماً، يساوي بالتمام والكمال الولاية التي لا يزال يقيم فيها سلامة بمفرده مذ عُيّن، وصار الى التجديد له خمس مرات، ويستمر الى عام 2023. الى ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بسنة.
ما خلا الكاثوليكي تقلا، فإن الحكام الاربعة المتعاقبين كانوا موارنة – وهذه ليست مصادفة صنعتها قوة الطبيعة – ما اتاح لهم التحول، منذ تجربة سركيس، الى مرشحين دائمين لرئاسة الجمهورية بأي ثمن. وهو بالتأكيد هدف الرمق الاخير لسلامة.
في سبيل ذلك يكتسب الخلاف على تعيين نواب الحاكم، هذه المرة، بُعداً خاصاً. يراد اولاً التخلص من ثالث النواب الاربعة السنّي محمد بعاصيري ومن رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، المحسوبين على الحريري. وقد يُفسّر الهجوم الاستباقي للرؤساء السابقين للحكومة البارحة – وبينهم الحريري المقيم في باريس منذ وصول كورونا الى لبنان – على تعيينات الخميس اذا صدرت، خير مؤشر الى مغزى ما يُعد. كأنما المقصود استدراج رد فعل سنّي سلبي على التعيينات يُصوّب على رئيس الحكومة بالذات. وهو سيكون معنياً بتسمية مرشحي طائفته.
واقع الامر ان التعاطي مع التعيينات المقبلة ينطوي على بضع ملاحظات:
اولاها، بعدما بات مرجحاً تغيير نواب الحاكم ومفوض الحكومة وكذلك اعضاء لجنة الرقابة على المصارف، جميعاً، يُنظر الى هذا الخيار على انه صورة منسوخة عن حكومة دياب التي لم يعد اليها اي من الوزراء السابقين، ودخل اليها وزراء جدد. في كلتي الصورتين، الاصلية والمنسوخة، فإن قوى 8 آذار هي التي تديرهما من ضمن توازن قوى افرقائها.
ثانيها، تكريس الكوتا السياسية في تقاسم نواب الحاكم. عندما اضحى عدد هؤلاء اربعة منذ عام 1985، كجزء لا يتجزأ من التسوية التي رافقت مؤتمر لوزان قبل سنة، تحوّلوا الى ما يشبه كوتا مذهبية. اضيف نائب حاكم درزي ـ اضحى الثاني في الترتيب ـ وكُرّس نائب حاكم رابع ارمني. في التركيبة التي رافقت تأسيس مصرف لبنان عام 1963، ضُم الى الحاكم ثلاثة نواب له هم ارمني وشيعي وسني. لا ينسى اللبنانيون توقيع النائب الاول للحاكم الارمني جوزف اوغوليان على الليرة اللبنانية الى جانب الحاكم من منتصف الستينات الى منتصف الثمانينات، قبل تراجع مكانته الى نائب رابع عام 1985.
نواب الحاكم من كوتا مذهبية الى كوتا سياسية
ثالثها، بعد حقبة اتفاق الطائف لم يصر تماماً الى تعيين النواب الاربعة تبعاً لموازين القوى التي كانت تدير تنفيذ الاتفاق. تدريجاً بدأت الكتل الكبرى، في ظل استمرار التجديد لسلامة، الامساك بهم. ليست لهؤلاء في قانون النقد والتسليف صلاحيات سوى ما تنص عليه المادة 18 منه، وهو انهم «يمارسون الوظائف التي يعينها لهم الحاكم». لا يكتسب النواب الاربعة ادوارهم الا كأعضاء في المجلس المركزي لمصرف لبنان. اذذاك ـ بلا صلاحيات ينص عليها القانون ـ يمتلك كل منهم تبعاً للمرجعية السياسية التي تمثل ظهيره حق النقض في الموافقة على القرارات او الاعتراض عليها. وهو الدور الذي ترومه التعيينات الجديدة، بغية تقييد الصلاحيات الواسعة المعطاة للحاكم، خصوصاً في ظل مرحلة تحاول قوى 8 آذار توسيع سيطرتها على مراكز القرارات الرئيسية في الدولة.
لم يعد الامر يقتصر على الثنائي الشيعي الذي اعتاد ان يحوز حصته كاملة، ويراعي في لعبة التوازنات في الغالب، في حكومات الوحدة الوطنية، مطالب الحريري وحصته. الآن اضحى للثنائي الشيعي ـ باستثناء جنبلاط بالنسبة الى بري ـ حلفاء مختلفون. في سياق الضغوط هذه، دلالة اضافية لهذا الفريق على فقدان الثقة بحاكم مصرف لبنان وشكوكه فيه، طلب مجلس الوزراء في جلسة 26 آذار الى وزير المال اجراء تدقيق محاسبي لكشف الاسباب التي افضت الى الانهيار النقدي، وكشف احتياطي مصرف لبنان وارقامه الغامضة والملتبسة، المكتومة في الاصل.