بعد أحداث اليومين الماضيين، لم تعد «طلعت ريحتكم» حملة، بل باتت حالة شعبية في أيدي الناس الذين لم يخرجوا من ساحة رياض الصلح منذ السبت. في المقابل، تسعى السلطة السياسية جاهدة لفض هذا الحراك الشعبي بأي ثمنٍ كان، واستغلت أمس غياب البث المباشر من قبل محطات التلفزة للاعتداء، بوحشية، على مواطنين وصحافيين، محاولة في الوقت عينه استغلال حسابها على موقع تويتر لتحويل نفسها الى ضحية «المخربين».
تركت القوى الأمنية مساء أمس عدداً من الشبان يحرقون ويكسّرون عدداً من الممتلكات العامة والخاصة (تعود لشركة «سوليدير» التي استملكت وسط المدينة بطريقة غير شرعية) بالقرب من ساحة رياض الصلح. وعوض أن تبادر الى إيقاف ما يحصل مباشرة، وقفت متفرجة وكأنها تتفهم غضب هؤلاء الشبان. اكتفت بادئ الأمر بتصوير الحدث كأي وسيلة إعلامية أرسلت مصورها الصحافي. ولتكتمل المشهدية التي تريد قوى الأمن إظهارها للرأي العام، نشرت الصور على حساب قوى الامن الداخلي على موقع «تويتر»، مرفقة بجمل مثل «مشاهد محزنة من التخريب الذي افتعله المشاغبون في وسط بيروت»، معلنة اعتقال عدد من هؤلاء.
واللافت أن عدداً من المواقع الاخبارية، وبفعل غياب لافت ومستغرب لأي بث مباشر من قبل أي وسيلة إعلامية، تبنّت رواية قوى الأمن الداخلي، مستخدمةً مصطلح «المشاغبون» نفسه. وقد بقي حساب قوى الأمن ناشطاً يبث صور «التخريب» حتى ساعات ما بعد منتصف الليل، فما الذي كان يحصل خلال نشر هذه الصور؟
هرب الشبان الذين قاموا ببعض أعمال الشغب وتواروا عن الأنظار، بفعل تساهل القوى الامنية في التعامل معهم، ليقوم بعد ذلك العناصر الأمنيون بفض ساحة رياض الصلح من المعتصمين بطريقة «مرعبة»، حيث لاحقوا الناس العزل في الشوارع وأبرحوهم ضرباً، على ما يفيد شهود العيان، علماً بأن الشبان والشابات الذين تعرضوا للضرب هم من منظمي الحراك ممن كانوا يسعون لتهدئة الأوضاع طوال الوقت منعاً لأي اشتباك، ومن الصحافيين الذين كان وجودهم في المكان مزعجاً للعناصر الأمنيين الذين وصفوهم بـ»الخنازير». وسقط ما لا يقل عن 7 جرحى في صفوف المعتصمين، نقلوا الى المستشفيات المجاورة. الاعتقال شمل كل من أيمن مروة وسامي موسی، الناشطين في اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، علماً بأن مروة كان من الشبان الذين شكّلوا منذ صباح أمس حاجزاً بشرياً بين المعتصمين وقوى الأمن لتهدئة الشبان الغاضبين لكي لا تتطور الأمور بشكل دراماتيكي، على غرار ما حصل نهار الأحد. وقد وثّق أكثر من فيديو مصوّر اعتداء القوى الأمنية على مواطنين عزل. ويظهر في أحد هذه الفيديوات استفراد 20 عنصراً من مكافحة الشغب بمواطن!
وكتبت إحدى الصحافيات تجربتها على صفحتها على «فايسبوك»، فقالت «القوى الامنية فضّت ساحة رياض الصلح بطريقة مرعبة بعنفها. بنات أكلت خبيط ليوم الخبيط. تصرخ تقول صحافة متل إجرن. أكتر من عنصر هني وهاجمين بيصرخوا: وين المتظاهرين المنايك يا لواط. انته خرج تتظاهروا انته خرج….». أحد الصحافيين قال لهم: «أنا صحافي»، ردّو عليه: «صحافة خنازير».
ما قامت به القوى الامنية لم يأت وليد اللحظة، فعند بدء توافد المواطنين بشكل كثيف ابتداءً من الساعة السادسة مساءً، لم يحتمل عناصر مكافحة الشغب اقتراب عدد من الشبان المتحمسين من المدخل المؤدي الى حديقة السراي الحكومي (من جهة شارع المصارف) حتى بادروا الى الركض ناحية المتظاهرين وضربهم بالهراوات بشكل همجي وعشوائي، وفي نفس الوقت الذي كانت فيه القوى الأمنية تلعب دور الضحية عبر حسابها على «تويتر»، بالإشارة الى تعرضها للاعتداء من قبل المتظاهرين! أكثر من ذلك، اتهمت القوى الأمنية أيضاً وسائل الاعلام بتحريض المواطنين على الاعتداء عليها.
ممارسات القوى الأمنية أدّت الى حال من التوتر في ساحة رياض الصلح، تخللها بعض عمليات الكر والفر بسبب إقدام عدد من الشبان على رمي عبوات ماء بلاستيكية فارغة أو «فرقيع» يصدر القليل من الصوت على عناصر مكافحة الشغب والقوى الأمنية التي يبدو أنها لا تستطيع «ضبط أعصابها»، وأزعجها هذا الفعل الذي لا يرقى الى أعمال الشغب. لكن هذا العنف المفرط في الرد على «عبوة بلاستيكية» لم يدفع المتظاهرين إلى الخروج من الشارع في وقت مبكر وفق ما يتمنى العناصر الأمنيون. بدا الناس مصرون أمس على البقاء في الساحة أكثر وقت ممكن، مقتنعين تماماً بأن ما يحصل تسبّبه القوى الأمنية نفسها بأوامر من القوى السياسية التي تحاول تشويه صورة الحراك، وإلا لمً استهدفت القوى الامنية منظمي الحراك واعتدت عليهم.
سقط جدار العار
جدار الفصل الذي بنته السلطة السياسية خوفاً من شعبها، تحوّل بعد ساعات قليلة من وضعه الى لوحة مليئة برسوم وشعارات «إسقاط النظام» و»الثورة» وغيرها من الشعارات والشتائم بحق النواب والوزراء ووزير الداخلية وغيرهم.
السلطة السياسية مرتبكة وفي حال من التخبّط. يأمر وزير الداخلية بوضع سور إسمنتي محاذي للسراي الحكومي، ثم يطلب رئيس الحكومة إزالته في اليوم التالي. وزير البيئة يعلن نتيجة فضّ عروض المناقصات، لتعود الحكومة وتلغيها. كل ذلك يحصل في ظل إصرار القوى الأمنية وعناصر مكافحة الشغب على استخدام القوة المفرطة مع المواطنين لليوم الثالث على التوالي. والجدير ذكره أن مناطق لبنانية عدة، مثل النبطية وبعلبك وضهر العين (البقاع الغربي) وعكار، قد شهدت تحركات احتجاجية عند الساعة السادسة، بدعوة من مجموعة #بدنا_نحاسب.