IMLebanon

عتاب «الحلفاء»!

في عالم الغرائب الراهن، سُجّل أمران يدلاّن، عدا عن غرابتهما، على المدى الذي ذهبت إليه إدارة مستر أوباما في الاستخفاف بالكيان العربي والإسلامي الأكثري.

الأمر الأول هو قول وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمجلة «فورين أفيرز» ان سياسات طهران في اليمن وسورية ودعمها رئيس النظام (السابق) بشار الأسد و»حزب الله»، تُساهم في تعقيد عملية مساعدة الولايات المتحدة للمصارف الإيرانية بعد الإتفاق النووي. والثاني هو «ردّ» مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على كيري بالقول ان سياسات طهران «الخارجية» والقضايا «المرتبطة بالأمن القومي والدفاع الصاروخي غير قابلة للتفاوض».

ومصدر العجب وافتراض الغرابة هو في ان وزير الخارجية الأميركي لا يتردّد في تأكيد الانتهازية المنهجية التي اعتمدها خلال مفاوضاته الماراثونية مع الإيرانيين على تشليحهم مشروع القنبلة النووية… والتي قامت على إدارة الأذن الطرشاء لكل الأصوات العربية التي حذرته وإدارته الأوبامية، من مخاطر إبرام اتفاق ناقص مع الإيرانيين لا يلحظ أو يأخذ في الاعتبار أدوارهم التخريبية والجامحة والطموحة والخطيرة ازاء جوارهم العربي.

يقول كيري الآن إن أدوار إيران الخارجية تناقض الالتزامات الخاصة بالاتفاق النووي! وكأنه اكتشف تلك الأدوار بالأمس تماما! ولم تكن هذه موجودة سابقاً! أو انها لم تكن الأساس الذي بنت فوقه القيادة الإيرانية، كل افتراضاتها وحساباتها الاقليمية «الكبرى».. وبالتالي كل أدائها العدواني الذي توجس منه القريب والبعيد، والذي كان مشروع إنتاج القنبلة الإفنائية، تدعيماً له قبل أي شيء آخر.

ما يقوله كيري اليوم هو ان كيري الأمس كان على خطأ! وتصرف استناداً إلى رؤية ووهم. الرؤية تتصل بمنع إيران «غير الموثوقة» من انتاج سلاح يمكن ان يُهدد إسرائيل والعالم، وقد حصل ذلك! ووهم (مقصود!) بأن الاتفاق النووي يوصل حُكماً الى رفع العقوبات التجارية والمالية عنها، وهذا يوصل تلقائياً وبحكم شروط التبادل في عالم المال والأعمال، إلى تعديل جذري في سياستها الخارجية، بحيث ينكفئ منطق «تصدير الثورة» لمصلحة منطق «استيراد الثروة»!

وفي ذلك احتمالان لا ثالث لهما: إما أن كيري ومن خلفه رئيسه مستر أوباما غبيان وخطران ولا يعرفان شيئاً، لا عن إيران ولا عن المنطقة من حولها! وإما انهما انتهازيان كبيران لا يهمهما سوى الوصول إلى «إنجاز« تشليح عصبة قيادية خلاصية مقتدرة وغير موثوقة احتمال حصولها على سلاح افنائي فتّاك، من دون النظر الى أي معطى آخر، بما في ذلك مخاطر المشروع الإيراني على عموم الجوار العربي والاسلامي، وعلى الاستقرار في واحدة من أهم مناطق الطاقة في العالم، وعلى دول تعتبر تاريخياً، حليفة للولايات المتحدة وقيم العالم الحر بكل مراتبها!

والأرجح ان ادارة مستر أوباما أخذت بالخيار الثاني. أي اعتمدت (ولا تزال) سياسة إنتهازية أنانية وقصيرة النظر.. وهي فعلت شيئاً شبيهاً بذلك، مع بشار الاسد في سوريا: أخذت منه معظم السلاح الكيماوي (الذي جاءه اصلا من عند صدام حسين)، وتركته في المقابل يسرح في إجرامه وارتكاباته وفظاعاته في حق السوريين، قبل أن «تكتشف» أخيراً ان ذلك كله هو في (الواقع؟!) «جرائم ضد الانسانية»!

الجانب الآخر من الصورة غريب بدوره ولكنه مألوف! أي ان «يرد» نائب وزير الخارجية الايراني على كيري ويهاجمه لأنه انتقد سياسات إيران في اليمن وسوريا! في حين ان الدول تنتفض على ما يُقال، إزاء أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية! اي ان ايران تعتبر، ان اليمن وسوريا هما شأن داخلي خاص بها! وجزء من «أمنها القومي».. ومكمن الغرابة، ليس في قول ذلك وانما في احتمالاته الأخرى: كأن المسؤول الإيراني يستهجن «قلّة فهم» الوزير كيري، أو محاولة تذاكيه، أو سعيه إلى «إرضاء» بعض الأطراف العربية بمعسول الكلام على حساب «الحلف» مع طهران! أي أنه يقول له باختصار: ليس هكذا يتصرف «الحلفاء» مع بعضهم البعض… ولو؟!