يجلس اللبناني في مكتبه في إحدى الدول الخليجية وأمامه عدة شاشات:
شاشة لإحدى المحطات اللبنانية التي تنقل له تطورات بلاده، وشاشة لأحد المواقع الإلكترونية المتخصِّصة باقتصاد الدول والأسهم وأسعار النفط.
هذا اللبناني يكاد أن يفني عمره خارج لبنان بحثاً عن تأمين حاضر عائلته ومستقبلها، يتطلَّع إلى الشاشة المحلية فيشعر وكأنَّ جبال النفايات الموزعة في كافة المناطق اللبنانية، تكاد روائحها الكريهة أن تقفز من الشاشة. يتطلَّع إلى شاشة البورصات فيرى كيف أنَّ سعر برميل النفط ينهار ليصل إلى 43 دولاراً للبرميل الواحد أي أنّه انخفض إلى النصف عما كان عليه العام الماضي. يقرأ المؤشِّرات فيجد أنَّ السعر سيستمر في الإنخفاض طالما أنَّ منظمة أوبك ستستمر في إنتاجها اليومي البالغ 30 مليون برميل يومياً، ومع استمرار العرض أكثر من الطلب بسبب قلة الإستهلاك الناجم عن ركود الإقتصاد العالمي.
يُغمض عينيه متأملاً، لا الشاشة المحلية تنبئ بالخير، ولا شاشة الأسعار والبورصات تنبئ بالخير، فإلى أين المفر؟
***
هذه الصورة الواقعية التي لا مبالغة فيها، لا تدعو إلى الإرتياح على الإطلاق، هذا اللبناني الذي يعيش في الخليج والذي تسمَّر أمام الشاشتين، هو واحد من عشرات آلاف اللبنانيين الذين يعيشون في السعودية والإمارات والكويت والبحرين، والذين واكبوا سنوات الخير وسنوات القحط، سنوات البركة والسنوات العجاف، وهو لهذه الأسباب تقلقه المعطيات التالية:
إذا كان نصف الإقتصاد اللبناني قائماً على التحويلات التي يقوم بها اللبنانيون في الخليج، فإنَّ هذه التحويلات ستنخفض بدورها إلى النصف لأن أحوال اللبناني في الخليج لم تعد هي ذاتها، فما كان قبل الحروب ليس هو ذاته أثناءها وبعدها، في المنطقة أكثر من حرب، ودول الخليج تضطلع بمسؤولية واضحة حيالها، وهذا ما يرتّب عليها أعباء مادية باهظة، يُضاف إلى ذلك أنَّ النفط الذي هو أساس اقتصادات الخليج انخفض إلى أكثر من خمسين في المئة عما كان عليه العام الماضي، وعليه كيف يمكن التوفيق بين مضاعفة الأعباء وانخفاض المردود؟
***
يتأمل اللبناني الذي يعيش في الخليج، في هذا الواقع، يسأل نفسه:
إذا كان المردود انخفض إلى النصف، فماذا عن الإقتصاد اللبناني الذي يعيش إلى مستوى النصف على تحويلات الخليج؟
الأعباء تزداد إلى درجة الضعف، المردود ينخفض إلى مستوى النصف، الإقتصاد الداخلي اللبناني الذي كان ينتج نفسه بنفسه في الأيام العادية، ليس في وضعٍ صحي اليوم ولا يستطيع أن يُنتج، فكيف يستمر وكيف يستطيع الصمود؟
إنه الدوران في الحلقة المفرغة التي لا بداية لها ولا نهاية، فماذا سيفعل اللبنانيون الذين يعيشون في معظم يومياتهم على هذا الواقع؟
إذا كانت الأجوبة بالشعارات فلا لزوم لها، لأنَّ اللبناني شبع شعارات حتى التخمة. إذا كانت بتكرار المحاولات الفاشلة فلا لزوم لها، لأنَّها لن تنتج إلا الفشل.
***
يطفئ اللبناني في الخليج الشاشتين، يغمض عينيه، يتأمل في الغد، يرى الصورة أكثر سوداوية، فالبلد ينهار على كل المستويات.