IMLebanon

الجمهورية بين مطرقة إيران.. وسندان الحزب!

لا تزال مرحلة التصعيد بين دول مجلس التعاون الخليجي وحزب الله مستمرّة، بل ومتزايدة، على الرغم من الجهود الرسمية اللبنانية والدولية لاستيعاب الخطأ الفادح الذي ارتكبته الخارجية اللبنانية بحق المملكة العربية السعودية، إلّا أن هذه الجهود لم تُفضِ لأي نتيجة إيجابية، فلا الموقف الحكومي جاء على المستوى المطلوب، ولا المناشدات والدعوات لإعادة النظر في القرار اخترقت جدار العزلة الذي نصبته دول الخليج حول لبنان.. وبقي حزب الله عالقاً في إزدواجية معطِّلة لإنتاجيته الداخلية ومدمِّرة لعلاقاته الطبيعية مع محيطه.

فلا يمكن للحزب الذي تطوّر من ميليشيا هادفة لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي بقوّة السلاح، إلى حزب سياسي وافق على الإنخراط في الحياة السياسية، وبات جزءاً من الحكومات من خلال وزراء فاعلين في السلطة التنفيذية، ومثَّل شريحة من اللبنانيين المؤيِّدين له في مجلس النواب، عبر خوضه إنتخابات نيابية، إحتكر فيها التمثيل الشيعي مع حركة أمل. إذاً لا يمكن بعد أن وصل إلى هذا المستوى في الحياة السياسية أن يبقى أسير أجندته الإقليمية، والإيرانية تحديداً، والتي أبقته أسير النشاط العسكري خدمة لمصالحها.

والأنكى، أن هذا النشاط قد تحوَّل من مكانه الطبيعي في مواجهة العدو الإسرائيلي نحو الدول الشقيقة، في تدخُّل سافر في شؤونها الداخلية، وتحوَّلت البندقية الشريفة إلى سلاح عابث، تخريبي، جرّ الحزب ولبنان معه إلى خانة الإرهاب، مع كل ما يعني هذا من عقوبات دولية ومقاطعة رسمية للدولة!

ويبدو أن الإستمرار بهذه الإزدواجية بات مستحيلاً، لأن الدولة أعجز من تأمين الغطاء الرسمي للأنشطة غير الرسمية التي يقوم بها الحزب في المنطقة، والتي وصلت إرتداداتها إلى مصالح اللبنانيين المقيمين والعاملين في هذه الدول، وباتت تهدِّد الإقتصاد الوطني المُنهك أصلاً. فإمّا الإنخراط بالعمل السياسي تحت لواء دولة المؤسسات، أو الإنسحاب من الحياة السياسية والمواقع الرسمية والإنصراف إلى النشاط العسكري تحت شعار «المقاومة»، والتي لم تعد تقتصر على إسرائيل، بل امتدّت على مساحة العالم العربي، وترك حرية الحركة للدولة اللبنانية إمّا بدعمها أو رفع الغطاء عنها، إنقاذاً لمصلحة الوطن العُليا، ومصالح أبنائه المنتشرين في المحيط العربي بأكمله.

أمّا الإنفصام بين لغة الحوار وسياسة التهدئة داخلياً من جهة، ولغة التهديد والوعيد وسياسة التصعيد المتمادي مع المحيط العربي من جهة أخرى، وسياسة النأي بالنفس عن الإجماع العربي حيناً والتورّط لأقصى الحدود في الحروب الدائرة في المنطقة أحياناً، والتدخل السافر في أزمات الدول المحيطة لم يعد ليمرّ دون حساب، وهو أكبر من قدرة لبنان على دفع ثمنه، وبالتالي إمّا خيار الحزب السياسي تحت سقف الدولة، أو العمل العسكري خارج المظلة الرسمية، تاركاً للجهات الرسمية حريّة الحركة، من خلال المواقف المسؤولة، التي تحفظ وحدة اللبنانيين، وتصون مصالحهم في آن.