IMLebanon

جمهورية تصريف الأعمال

مع ذكرى الاستقلال اليوم ينقضي الأسبوع الثالث على انتخاب الرئيس العماد ميشال عون. لا شيء يوحي بأنّ الروح قد عادت الى الحياة السياسية وأنّ هناك دينامية ما قد انطلقت كما يحصل عادةً في بدايات العهود، بل يُغالبنا شعور بأننا في الأشهر الأخيرة من ولاية رئاسية يقضّ مضجعها يومياً استعراضات عضلات وسيناريوهات للكتل السياسية للانقضاض عليها.

يبدو العهد الجديد مطوّقاً، بل ويتلقى الضربات من أقرب المقرّبين والحلفاء، فبين خطاب القسم الذي لم يجفّ حبره بعد وخطاب الاستقلال تلقّى العهد الوليد ضربة مزدوجة الوجه على يدّ حزب الله الحليف الاستراتيجي للتيار الوطني الحر. في الوجه الأول عبّر الاستعراض العسكري في القُصير بما لا يقبل الشك أن دعم حزب الله لموقع الرئاسة لا يعني بتاتاً تعديلاً في السياسة الخارجية للحزب وحرية حركته على الساحة السورية، وفي وجهها الثاني عبّر نأي الحزب بنفسه عن المشاورات المتعلّقة بتشكيل الحكومة وتفويض الرئيس نبيه بري الذي انتقل من موقع المعارض الأول للرئيس الى موقع المفوّض باسم كلّ من الثنائي الشيعي والوزير سليمان فرنجية بقبول أو برفض المشاركة في حكومة لم يسمّ حزب الله رئيسها. رسالة حزب الله العسكرية هي حُكماً موجّهة للداخل اللبناني، فتجميع العشرات بل المئات من الآليات العسكرية لا يغيّر أبداً في ميزان القوى مع العدو الإسرائيلي، ولا يغيّر التصريح الذي أدلى به الشيخ نعيم قاسم من العقيدة القتالية التي اعتمدها الحزب بمواجهة العدو الإسرائيلي أما الرسالة السياسية فإنّها تريد فرملة اندفاعة العهد عبر ترك الرئيس منفرداً يخوض معركة أحجام داخل حكومة العهد الأولى.

الضربة الثانية تلقاها العهد بالإنابة من حليف الحليف، عبر استعراض الجاهلية الذي لم يكن سوى إسقاطاً لحزب الله ولتمظهره الأمني على الساحة الداخلية. العراضة التي نفذّتها مجموعة «لبيك يا سلمان» على وقع نشيد سرايا التوحيد بصوت علي بركات منشد حزب الله، حضرها عضو المجلس السياسي لحزب الله وأعلن وهّاب خلالها مهمة السرايا دعم الجيش اللبناني ومواجهة العدو الإسرائيلي، محدّداً شروط دعم الرئيس عون بالتزامه بوعده بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، والتي طبعاً تبقى رهناً بتحوّل معين في لحظة سياسية مناسبة للانقضاض على العهد.

لقد أكّد خطاب الاستقلال على الامتناع عن اللجوء الى الخارج لاستجداء القرارات الضاغطة على الوطن تحصيناً للاستقلال، كما عبّر عن القلق على الاستقرار بسبب التّدخلات الخارجية التي طالما واجهت الخيارات الوطنية المتعلّقة بأبسط الحقوق حتى في الدفاع عن النفس. الأزمة الحكومية أو صعوبة التأليف التي يواجهها الرئيس المكلّف مردّها الى العقبات التي توضع أمام خطاب القسم الذي أكّد على احترام الدستور ومنع تحوّله إلى واقع وطني. الحكومات في لبنان وفقاً للدستور تتحوّل إلى حكومات تصريف أعمال عند استقالتها، حكومات ما بعد اتّفاق الدوحة كانت بمجملها حكومات تصريف أعمال حتى قبل أن تتقدّم باستقالتها لأنّها كانت حكومات تقاسم للحكم ولم تمتلك الرؤيا والقدرة على وضع سياسات وطنية بعيدة عن التقاسم السياسي الضيّق ببعديه المذهبي أو الاستتباعي.

ما بين الاستعراضات العسكرية من القُصير إلى الجاهلية، مروراً بمعركة الأوزان بين الزعامات المسيحية وصراع السلطتين التشريعية والتنفيذية خلافاً للدستور على الدور الوازن في القرار، الخوف كلّ الخوف أن تتحوّل الجمهورية الوليدة إلى جمهورية تصريف أعمال.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات