Site icon IMLebanon

جمهورية الكازينو»: طاولة القمار لا طاولة الحوار!

هرَع ذوو العسكريين المخطوفين إلى الكازينو وكأنّهم اكتشفوا نقطة ضعف الطبَقة السياسية. ففي السابق، أقفَلوا الأوتوسترادات وساحات بيروت، لكنّ أحداً لم يسمَع صوتهم. اليوم يقولون: يبدو الكازينو هو المرفق الطارئ لدى الدولة، فلنُجرّب إقفاله، لعلّهم يَسمعون!

لم يتحمَّل لبنان إقفالَ الكازينو أكثر من أيام. وربّما كان ذلك طبيعياً في بلد كلبنان، حوَّلته الطبَقة السياسية سوقاً للمراهنات والمَزادات شرقاً وغرباً.

للتذكير فقط، قصر بعبدا مقفَل منذ أكثر من 8 أشهر، وصناديق الاقتراع التي كان يجب أن تُفتَح قبل نحو عام و8 أشهر تبقى مقفلةً حتى إشعار آخر.

وأمّا الموازنة فلا أحد يسأل متى يُفتَح النقاش حولها ولا سلسلة الرتب والرواتب ولا الجُزر الأمنية من بيروت وأقصى الشرق والشمال إلى أقصى الجنوب.

وأمّا العسكريّون المخطوفون فيعيشون في قبضة الإرهابيين، يوماً فيوماً، حظُّهم في الموت أو الحياة. كلّ ذلك ينتظر، لكنّ الكازينو لم ينتظر. وعادت دواليب حَظِّه سريعاً إلى الدوران، وعادت متعة المراهنة… بالحَلال.

وللتذكير، مؤسّسة كهرباء لبنان بقيَت مقفَلةً شهوراً عديدة بالسلاسل المعدنية، ولم يستعجل المسؤولون علاجاً لأزمة المياومين. وخلال الإقفال، تعطَّلت مصالح الناس. وعلى مدى أشهر، لم يستطِع مواطنون الانتقالَ إلى مساكنِهم المبنيّة حديثاً، ولو دفعوا ثمنَها، بعدما تعذَّر عليهم التقدّم بطلب اشتراك في الكهرباء. فتكبَّدوا أكلافَ الإقامة الظرفية في منازل أخرى.

وللتذكير أيضاً، بقيَت هيئة التنسيق النقابية تهزّ البَلد بإضراباتها، وتُعطّل المدارس على مدى عام دراسي كامل. وفي النهاية، قرَّرت الطبَقة السياسية توزيعَ الإفادات التي كانت كارثيّة على الطلّاب والمستوى التربوي والأكاديمي.

وهذه الطبَقة لم تعالج المشكلة، بل كمَنَت لهيئة التنسيق «على كوع» الانتخابات النقابية، وتجاوَزَ أركانُها صراعاتهم، وتحالفوا للمرّة الأولى، ووجَّهوا ضربةً قاضية إلى هيئة التنسيق وأزاحوها عن الخارطة!

إذاً، كلّ المسائل يمكن أن تتحمَّل التأجيلَ إلّا الكازينو. لماذا؟ لا أحدَ يعرف أسرارَ الآلهة. وفي معزل عن الجانب الإنساني من الأزمة هناك، المتعلّق بلقمة عيش العديد من الموظفين المصروفين تعسُّفاً، فإنّ سرعة الحَلّ في هذا المرفق تبدو مستهجَنة، فيما المرفأ، وهو مرفق أشدُّ أهمّية بكثير من الكازينو، ويمَسّ لقمة عيش الكثيرين من الفقراء ومتوسّطي الحال، إضافةً إلى الشركات والمؤسسات الاقتصادية، يرزَح تحت وطأةِ المخَطّطات وعمليات الابتزاز.

وإذ تدخّلت بكركي لمعالجة الملفَّين، الحوض الرابع في المرفأ والكازينو، فالواضح أنّ التجاوب كان سريعاً في الكازينو، وأمّا الحوض فيبقى قيد الانتظار. وإذ تدخّلَ وزير العمل سجعان قزّي لإنهاء مظلومية المظلومين من موظفي الكازينو، فهو وجَد نيَّةً للتسهيل سريعاً، فيما هناك أيضاً معاناة حقيقية في معالجة ملفّات ملِحّة في أماكن أخرى. وقياساً، ربّما يجدُ ملفّ المرفأ طريقَه إلى الحلّ أيضاً… إذا اتّفقَ المعنيون بالجبنة على حصّة كلّ منهم.

وفي الجدَل القديم – الجديد حول لبنان: هل يكون «موناكو الشرق الأوسط» أم «هانوي الشرق الأوسط»، يبدو أنّه يتّجه ليكون الإثنتين معاً… على حساب دوره كجامعة وصحافة ودار نشرٍ أو إستشفاء للشرق الأوسط. واللغز يكمن في تحالف الطبقة السياسية على خَلق حالة التعايش بين الكازينو والجبهة المفتوحة، أي بين الفنادق والخنادق.

ولذلك، في «جمهورية الكازينو»، تبدو المراهنة خاسرةً على طبقة سياسية تستعجل إنقاذ طاولة القمار، فيما طاولة الحوار فاشلة منذ سنوات. أي طاولة الحوار وهميّة وطاولة القمار حقيقية.

وفي أيّ حال، عندما يُخاضُ الحوار في لبنان، يُدارُ بذهنية القمار. ولو كان طارئاً أمرُ الحوار كأمرِ القمار، ومسَهَّلاً، لمَا كان لبنان هو الذاهب «فَرقَ عملَة» على الطاولة.