إنه زمن العدَّادات بالنسبة إلى اللبناني الذي يهوى حتى درجة الإحتراف مسألة العَدّ، لأنها باتت تربط مصيره في كل جوانب الحياة سواء السياسية منها أو المعيشية.
عدّاد النفايات لديه يُنبئه بأنَّ أزمة الروائح الكريهة يكون قد مضى عليها هذا الأسبوع شهرٌ بالتمام والكمال، ولا مؤشر في الأُفق يدلُّ على أنَّ العداد سيتوقف.
عداد الرئاسة لديه ينبئه، بأن احتساب الشغور لم يعد يُقال بالأشهر بل بالسنوات، في غياب أيِّ مؤشرٍ إلى أنَّ ملف الإنتخابات قد نضج.
عداد الكهرباء لديه ينبئه، بأنَّ ساعات التقنين لن تتراجع في الوقت الراهن لأنَّ الإستهلاك يزداد والطاقة تتناقص.
عدَّاد الأزمات الإجتماعية يبدو أنّه مفتوح على كلِّ الإحتمالات، في ظلِّ تراكم المعاناة وتراجع المعالجات.
***
عدَّاد المعضلات السياسية لا يوقفه شيء في ظلِّ غياب أيِّ مبادرة جديدة وجدية سواء أكانت داخلية أم خارجية.
إنّها جمهورية العدادات التي يحملها اللبناني وينوء تحت ثقلها من دون أن يكون لديه أي إمكانية لوقفها.
***
في جمهورية العدادات يمرُّ هذا النهار عادياً على رغم أنّه يومٌ لإنتخاب رئيسٍ للجمهورية، لكنَّ هذه المواعيد باتت تمرُّ وكأنَّ شيئاً لم يكن، وبالمناسبة مَن يتذكَّر في أيِّ جلسة نحن؟
في جمهورية العدادات، ماذا يقول عدَّاد التيار الوطني الحر؟
المواعيد عرضة للمفاجآت لأنها، إذ لم تكن كذلك، فقد تفقد عنصر المباغتة، لكن ما يُرجِّح التأجيل التقني للتحرك هو المعطيات التالية:
فبالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني اليوم، فإنَّ هناك خطاباً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد غد الجمعة، وقد يفرض هذا الموعد تأجيلاً للتحرك، كما أنَّ هناك إطلالة تلفزيونية للعماد عون مساء الجمعة، فهل في ظلِّ هذه المواعيد الدبلوماسية والسياسية والإعلامية يمكن إرجاء التحرك الميداني؟
كلُّ الإحتمالات واردة، لكن كلمة السر تبقى في ذهن العماد ميشال عون الذي لن يُعطيها لأحد، إنما عوامل النجاح أو عدمه تبقى في نطاق التحرك وكيفية تعاطي المعنيين معه.
***
مع ذلك يبدو أنَّ هناك أمراً مريباً بدأ يتسرَّب إلى داخل جسم النظام اللبناني، وهو الإعتياد على اليوميات السياسية والدبلوماسية وغيرها من دون وجود رئيس للجمهورية، وأسطع دليلٍ على ذلك خطوة دبلوماسية في غاية الأهمية حيث أنَّ السفير الفرنسي الجديد في لبنان إيمانويل بون سيقدم نسخة عن أوراق إعتماده إلى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وسيباشر مهامه على هذا الأساس، فهل هذه إشارة إلى أنَّ البلد يستطيع أن يستمر من دون رئيس للجمهورية؟
هذا مؤشر خطير!