IMLebanon

«جمهورية التمديد».. و«ثورة» عون

ليس تفصيلا ان يحسم وزير الداخلية نهاد المشنوق قبل نحو سبعة اشهر من نهاية ولاية قائد الجيش، الممدّدة لسنتين، بأن التمديد الثاني «مقبل» على الطريق. لم يكن يعني ذلك سوى ان قطار تأجيل التسريح لعدد من الضباط الكبار انطلق ولن يوقفه سوى انتخاب رئيس للجمهورية.. «مهما طال الزمن»، على حدّ قول المشنوق.

لدى العارفين في بواطن حسابات المنطقة ما يشبه التأكيد بأن مرحلة الانتظار ستطول، وأن اكتمال النصاب الرئاسي اصبح في صلب تعقيدات المنطقة. لذلك تماما فان اي اعتراضات على مسار التمديد الامني والعسكري، تحديدا من جانب العماد ميشال عون، لن تكسر قواعد اللعبة. بروفا الاستنكار لإبقاء الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير في موقــعه بعد إحالته الى التقاعد، دليل على ذلك.

لكن ثمّة معضلة ستفرض نفسها على جميع الحريصين على الحفاظ على التركيبة العسكرية والامنية القائمة. فإذا كان للتمديد، لقائد الجيش ومدير المخابرات ورئيس الاركان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع، ما يمنحه الغطاء القانوني المتوافر في قانون الدفاع، فإن الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية على المدى الطويل سيوصل الجميع الى الحائط المسدود، والى طرح علامات استفهام حقيقية حول مشروعية الاستمرار في التمديد لقيادات الصفّ الاول، وتأثيراته على المؤسسة العسكرية.

فأي تمديد للضباط الكبار يتجاوز مدّة سنوات خدمتهم الفعلية، سيشكّل سابقة لم يشهدها السلك العسكري، حيث يمكن في هذه الحالة الابقاء على بعض منهم من ضمن سنوات الاحتياط للعسكر في الجيش، اي حتى عمر الـ 65! التمديد المتوقع لمدير المخابرات ادمون فاضل قد يكون الاخير له، حيث سيستنفد في تشرين الاول المقبل سنوات خدمته الفعلية في السلك، ويليه رئيس الاركان اللواء وليد سلمان بعد عام واحد من تاريخ نهاية التمديد له في آب الحالي، وقائد الجيش بعد سنتين من تاريخ نهاية التمديد له في ايلول المقبل.

وبما ان الاستحقاق الرئاسي لا يزال في علم الغيب، في وقت تتوقّع فيه أوساط امنية رفيعة ان يطول الشغور في قصر بعبدا حتى نهاية الازمة السورية، فان التوقعات باستنفاد الضباط الكبار مخزونهم من سنوات الخدمة من دون التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، اصبحت تكتسب الكثير من عناصر الجدّية.

هنا تقول الاوساط نفسها «في حال وصلنا الى هذا الحائط المسدود، فإن التعيين سيكون ضروريا حتى من دون وجود رئيس للجمهورية، وسيكون ذلك من مهام حكومة تمام سلام».

عمليا، هذه الاستحقاقات لا تزال بعيدة المدى (باستثناء حالة مدير المخابرات). وعلــيه فإن مســار الامور يــشي بالآتي:

وفق مصادر أمنية رفيعة، التمديد سيشمل حتما، بعد اللواء محمد خير والعميد ادمون فاضل، كلاً من اللواء وليد سلمان والعماد جان قهوجي، وربما ضباطا آخرين في بعض المواقع الحساسة. ووفق المعلومات، فإنه لن يصار الى استدعاء مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص من الاحتياط بعد إحالته الى التقاعد في 5 حزيران المقبل، ومن ثم تعيينه بصفة مدنية على رأس المديرية لسببين:

أولا، لأن هذا التعيين يفترض حصول توافق عليه في مجلس الوزراء، وهذا يبدو غير وارد بسبب رفض «التيار الوطني الحر» لمبدأ التمديد. وثانيا لان هذا الامر سيعني بقاء بصبوص لعدّة سنوات في منصبه حتى بلوغه سن التقاعد في الـ 64، وهذا ما يرفضه الرئيس سعد الحريري. لذلك، «وصفة» الجيش ستنطبق على قوى الامن، حيث سيتمّ الاستناد الى إحدى مواد قانون قوى الامن الداخلي التي تسمح لوزير الداخلية ما تجيزه المادة 55 لوزير الدفاع بتأجيل تسريح الضباط.

كل ذلك، والعماد ميشال عون يتفرّج على كرة التمديد تكبر أكثر فأكثر. قبل فترة قصيرة من التمديد للواء خير وضع «الجنرال» في اجواء الخطوة التي سيقبل عليها وزير الدفاع. سريعا طلب من الوزير سليم جريصاتي إعداد مطالعة قانونية شاملة تتضّمن ما اعتبره «مخالفات» ارتكبها الوزير سمير مقبل.

يومها وُجِد من ينصح الجنرال بعدم التصعيد. كانت حجّة هؤلاء بأن رفع الصوت عاليا اعتراضا على التمديد وصولا الى سحب الثقة من وزير الدفاع كان يجب ان يحصل يوم تمّ التمديد للعماد قهوجي، كونه حصل بقرار إداري من وزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش نفسه، وهذا أمر غير مألوف وغير منطقي، بعكس قرارات تأجيل التسريح الاخرى الـتي يحــق لــوزير الدفــاع قانونا (ومعنويا) مهرها بتوقيعه.

وفي نظر متابعين لهذه القضية، فإن رفع عون السقف رفضا للتمديد حين يتعلق الامر بقائد الجيش الماروني، له ارتداداته المغايرة حين يقرّر «الجنرال» التصعيد وسحب الثقة من وزير الدفاع بعد التمديد للواء محمد خير. ولأن الامر كذلك، بدا لافتا مسارعة العديد من مسؤولي «التيار الوطني الحر» إلى التخفيف من وطأة موقف عون عبر وضعه في الاطار السياسي المحض، والتلويح بأن الامر لن يصل الى حدّ المطالبة الفعلية بسحب الثقة!

في مطلق الاحوال، أدى التمديد لخير لمدة ستة اشهر الى إعادة فتح أبواب المواجهة المباشرة بين ميشال عون والعماد جان قهوجي، والتي ستعود لتتأجّج لاحقا مع قناعة معظم الطاقم السياسي بضرورة السير في خيار التمديد مجددا لقائد الجيش في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل أيلول المقبل.

وجهة نظر هذا الفريق واضحة. ليست المسألة في وجود او عدم وجود رئيس للجمهورية (تمّ التمديد لقهوجي في ظل عهد سليمان)، بل بسبب استحالة التفاهم داخل الحكومة، ولأن عدم القدرة على التوافق قد تؤدي الى شغور أمني خطير لا احد قادراً على استيعاب ارتداداته، خصوصا في ظل المواجهة المصيرية مع الارهاب. هذا الفريق أيضا لا يوافق «الجنرال» على مطالعته القانونية الاخيرة، ويرى ان تعيين قائد جيش جديد مع «عدّة الشغل» يجب ان تلي انتخابات الرئاسة وليس العكس.

وجهة نظر عون اكثر وضوحا وقد فنّدها في مؤتمره الصحافي في الرابية يوم الثلاثاء الماضي. ما لم يقله هو اعتراضه على «لوبي» التنسيق بين مقبل وتمام سلام وجهات في الحكومة «تغطّي ارتكابات الوزير مقبل» وتجعل ضباطاً في المؤسسة العسكرية من «طويلي العمر» على حساب تضحيات آخرين.

وبرأي المقرّبين منه، فإن عدم حماسته لاقرار قانون رفع سن التقاعد للضباط (الذي سيستفيد منه العميد شامل روكز) يؤكد على عدم ربطه المسألة بأي اعتبارات شخصية. الامر الاخير، ان عون قد يسير بالقانون لاحقا.. لكن بعد خروج قهوجي من السلك.