احتمالات دقيقة مطروحة للنقاش والحلول السريعة
جمهورية في وهاد التغيير الانتخابي
والتضارب في القانون هو المشكلة
قضية أساسية تواجه لبنان: هل حاضره والمستقبل والمصير باقية في اطار الغموض الى آجال مرتبطة بعلاقاته مع الأم الحنون أو مع الجارة الأقرب اليه من سواها، فرنسا وسوريا.
في السابق كان الأمر كذلك، خصوصا في مرحلة الانتداب أو في حقبة الوصاية أما الآن، فان واقع الأمور اختلف بعض الشيء، وربما كان هذا الشعور عند اللبنانيين، ناجما عن الامتداد السياسي الفرنسي الى الشعور المتوازي بين الاستعمار والولاء.
والواقع ان فرنسا عرفت في عصر الجنرال ديغول، خصوصا إبان الحرب الخفيفة بين النفوذين الفرنسي والبريطاني الهيمنة حينا والنفوذ أحيانا، لكن التضارب في الولاءات استمر طوال فترة طويلة، وعرف اللبنانيون أحيانا، صعوبة في التغيير والخيارات.
ولهذه الأسباب كانت الثورة الداخلية اللبنانية من أجل الاستقلال، والانتفاضة اللبنانية في قلعة راشيا، والانسحاب الفرنسي، وبداية عصر الحرية أيام الرئيسين بشارة خليل الخوري ورياض الصلح، مقابل عصر الرؤساء اميل اده وألفريد نقاش وشارل دباس، وحبيب باشا السعد وسواهم.
إلاّ أن انحسار النفوذ الفرنسي، عن لبنان لم يجعل النفوذ البريطاني ينحسر عنه أيضا، اذ جاء عصر كميل نمر شمعون، في مطلع الخمسينات بعد التجمع السياسي الذي قاده أيضا كمال جنبلاط، ووقوف قائد الجيش الجنرال فؤاد شهاب على الحياد، ليصل فيما بعد الى رئاسة الجمهورية اللبنانية، بعد انتفاضة قادها الشيخ بيار الجميّل والعميد ريمون اده وشارك فيها كاظم الخليل ومحمود عمار، وبروز التيار الذي يمثل الطائفة الاسلامية السنية بزعامة الرؤساء صائب سلام وعبدالله اليافي وجميل مكاوي.
إلاّ ان الوضع اختلف فيما بعد، إثر بروز زعامات فرنسية تعنى بالشؤون اللبنانية، الى ان استطاع الرئيس فؤاد شهاب، بدعم من المارد العربي جمال عبدالناصر، تحقيق نواة للوحدة العربية الأولى، من مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة.
في تلك الحقبة، راج في لبنان، بعد انشطار الوحدة بين مصر وسوريا، نفوذ الطوائف المسيحية والاسلامية، وأصبح قادة الطوائف في موازاة القادة السياسيين، ولا سيما البطريرك المعوشي والمفتي حسن خالد، والبطريرك صفير، وعاد النفوذ الفرنسي الى الساحة اللبنانية، اثر انحسار النفوذ البريطاني.
وبعد الجلاء الفرنسي عن لبنان في العام ١٩٤٦، برز نمو سريع لزعامات مسيحية واسلامية كان من اهمها الشيخ بشارة الخوري، الرئيس اميل اده، الشيخ بيار الجميّل والرئيس كميل شمعون وحبيب أبو شهلا ورياض الصلح وعبدالحميد كرامي وعبدالله اليافي وصائب سلام وعدنان الجسر، وصعود نجم رشيد كرامي بعد رحيل والده عبدالحميد وشفيق الوزان.
وبين التمديد للشيخ بشارة الخوري واغتيال رياض الصلح، برصاص أحد القوميين السوريين في عمان، ثأرا لاعدام زعيم الحزب القومي أنطون سعاده، نشأت في البلاد زعامات كانت تتفق وتختلف، وارتدت الصراعات السياسية لونا جديدا من الخلافات، ولا سيما بين كميل شمعون وكمال جنبلاط بعد وصول ابن دير القمر الى الرئاسة الأولى، وانحياز كمال جنبلاط الى المعارضة ووقوع خلافات حادة بين القوى اللبنانية، ومع ذلك توجه زعيم المختارة الى دير القمر لحضور مؤتمر سياسي شامل دعا اليه رئيس الجمهورية في عرينه وليس في القصر الرئاسي في القنطاري.
وشاع بعد ذلك شعار كميل وكمال مختلفان في المنطق ومتوافقان في المنطقة.
ورجح سياسيا بعد تجذر زعامة عبدالناصر في السياسة، الخلاف بين الزعامات الداخلية، ولا سيما عندما دعا الرئيس كميل شمعون الى قمة عربية في بيروت وشكّلت حكومة تضم عبدالله اليافي رئيسا وصائب سلام وزير دولة للشؤون العربية.
إلاّ أن وجود جمال عبدالناصر قائدا لمسيرة الوحدة العربية، وظهور النفوذ الأميركي برئاسة الرئيس الأميركي الجنرال ايزنهاور مهد ل اتفاق تاريخي يقوده العسكر مؤلف من رئيس مصر وأميركا لاخماد الفتنة أو الثورة، وذلك بقيادة رشيد كرامي في طرابلس، وصائب سلام وعبدالله اليافي في بيروت لينهي حالة الحرب على الساحة اللبنانية وآثارها الطائفية منذ العام ١٩٥٨، وترجم الاتفاق التاريخي بمعاهدة دولية – اقليمية من القادة العسكريين في واشنطن والقاهرة وبيروت بزعامة فؤاد شهاب، وعبدالناصر وايزنهاور، وأوفد الرئيس الأميركي الى لبنان الديبلوماسي روبرت مورفي الذي تولى اعداد الأجواء، لانتقال قائد الجيش اللبناني الى رئاسة الجمهورية.
وكان عنوان ذلك الاتفاق، ان يتولى عبدالناصر تصفية العنعنات الطائفية اللبنانية، من خلال دعم فؤاد شهاب في رئاسة الجمهورية، وأن يتولى هذا الأخير، تنفيذ مسعاه الهادف الى إنصاف المسلمين في حقوقهم والمطالب، وانصاف العشائر اللبنانية في حقوقها الشخصية والعامة.
وفي العام ١٩٦٤ رفض فواد شهاب، تجديد ولايته، لشعوره بأن الوضع يتطلب تغييرا جذريا ولا يحلّ ب رتوش سياسي، ولذلك فقد قرر الرئيس الأصيل للجمهورية إخلاء الساحة للرئيس شارل حلو الأمر الذي يجعل الخلاف يمتد من السياسيين الى أهل السلطة أنفسهم، أي الى الرئيس حلو، والى الجيش اللبناني والى مدير المخابرات كابي لحود.
إلاّ أن الأمور تغيّرت بعد هيمنة المنظمات الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، مما سبّب بانفجار الوضع وعقد مؤتمر في القاهرة عام ١٩٦٩ بين عبدالناصر وعرفات… واللبنانيين ممثلين بقائد الجيش الجنرال اميل البستاني، بعد رفض رئيس مجلس الوزراء رشيد كرامي ترؤس الوفد اللبناني.
وأسفر المؤتمر عن عقد اتفاق القاهرة الشهير الذي أتاح للمنظمات الفلسطينية السيطرة على الوضع، الى أن الغي في مجلس النواب اللبناني عام ١٩٨٧ في عهد امين الجميل بعد ان كان قد ابرم سابقا من دون قراءة أو مناقشة في مجلس النواب اللبناني.
إلاّ أن الدور الفرنسي، كان يتقلّص حينا ويتقدم أحيانا. ففي عصر بروز اتفاق الطائف واقدام السلطة المنبثقة عنه برئاسة الرئيس الياس الهراوي، على نفي العماد ميشال عون بادئ الأمر الى مارسيليا، ومن ثم الى لا هوت ميزون قبل عودته الى لبنان، وانتخابه قبل أسابيع رئيسا للجمهورية اللبنانية.
والعقدة الآن هي التمهيد لبدء جمهورية العماد عون في الخريف المقبل، وعدم التمديد مرة ثالثة لمجلس النواب الحالي برئاسة الرئيس نبيه بري.
هل يعتقد رئيس الجمهورية ان جمهورية ستكون مختلفة عن الجمهورية التي يتولى الآن رئاستها؟
وهل يستطيع التبديل المحصور منذ انتهاء ولاية الرئيس حسين الحسيني التمهيد لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب.
في بداية عهده الجديد، عرف الرئيس العماد ميشال عون، الفصل بين حربه على الطائف، وقبوله الآن معتمدا على محاربة الاتفاق المذكور لأن السوريين تلاعبوا في تنفيذه، وعرف أيضا كيف يمهّد طريق العودة للرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، ويتقاسم معه نسبيا الحصص الوزارية.
إلاّ أن أمام البلاد ثلاثة أشهر صعبة، فهو متفق مع سعد الحريري على تقاسم السلطة راهنا، لكنه ليس متفقا معه على قانون لاجراء الانتخابات على أساسه. صحيح انه وصل الى منتصف الطريق مع زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، على شبه اتفاق ثالث بين النسبية الكاملة، التي تمسّك بها حزب الله ويتعاطف معها صديقه الرئيس نبيه بري، إلاّ أن الوصول معا الى منتصف الطريق دونه عقبات، أبرزها معارضة رئيس الجمهورية ل اتفاق الستين، واصرار الأستاذ وليد جنبلاط على قانون الستين معدّلا، لكن وزير الخارجية جبران باسيل مع القانون الثالث اذا جاء في صيغته النهائية، متوافقا مع طروحات الدكتور سمير جعجع وحزب القوات والتيار الوطني الحر.
وينقل سياسي محايد عن الرئيس حسين الحسيني، ان اتفاق الستين يشكّل ضررا للمسيحيين، وينبغي للجميع العمل على تغييره. والتوجه الى قانون انتخابي جديد يؤدي الى حداثة النظام البرلماني العتيد، والتوجه بالبلاد نحو العصرنة السياسية.
وفي الأسبوع الأخير عادت الأم الحنون مجددا الى لبنان، ليكون لها نصيب في الصورة الجديدة للوطن الجديد بعد الربيع المقبل.
ومن أبرز ما حدث، مجيء زعيمة اليمين الفرنسي السيدة ماري لوبان الى لبنان، ومقابلتها لرئيس الجمهورية، ولرئيس مجلس الوزراء، وانفتاحها على الرئيس بري، وعلى إبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، بعد سبع سنوات تقريبا على الحرب الدائرة بين النظام السوري ومعارضيه.
وهذا ما جعل الجمهورية اللبنانية في خطر، إثر الأنباء الرائجة عن مساع فرنسية تهبّ على صفوف اليمين واليسار خصوصا بعد عزوف الرئيس الاشتراكي هولاند عن الترشح والخلافات العاصفة في صفوف اليمين الفرنسي وأنصار الرئيس السابق ساركوزي.
ووردت في الآونة الاخيرة معلومات تشير الى ان الرئيس الاميركي الجديد، دونالد ترامب اوفد رسولا الى بيروت، ويزمع ايضا ايفاد موفد خاص الى بيروت، ليتولى مع السفيرة الاميركية مشروع حل قد يتوافق مع الاوروبيين على حل مقبول من الجميع.
الا ان السيدة لوبان افتعلت او تصرفت بما يوحي ان تأخذ من زيارتها لبيروت فرصة لتحريك خصوصيتها الفرنسية، عندما زارت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، واحجمت عن وضع غطاء على رأسها، قائلة انها لم تفعل ذلك، ساعة اجتمعت بشيخ الازهر.
التأهيل المزدوج
هل المعركة الآن حول النسبية هي الوجه الجديد للمواجهة المحتملة مع النظام الاكثري؟
ويقال ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قام بواجبه عندما دعا الى انتخابات نيابية على اساس القانون النافذ الآن، اي على اساس قانون الستين، ام انه ترك المجال محدودا لوضع قانون انتخابي جديد، لئلا يأخذ كل فريق وقته وحريته في اعداد القانون المطلوب، خصوصا وان احزابا عديدة تريد طرح موضوع الدائرة المصغرة لأن اعتماد النسبية من دون تحديد عدد الدورات، يسير على طريقة اكلنا حلاوة وشربنا فكأن لا اكلنا ولا شربنا.
امام البلاد ١١ يوما حاسمة، للفصل بين النظام الاكثري والنسبي والا وقعت في وهاد التجميد وفي خطر التمديد غير التقني للمجلس النيابي الراهن.
وهذا يحتم التراجع عن التمسك بالنظام البرلماني الراهن ويضع البلاد امام احتمالات بشعة على الصعيد السياسي.
وتقول المعلومات ان الرئيس نبيه بري، بعد عودته من المؤتمر الدولي الاخير، ازداد اقتناعا بأن السلطة البرلمانية هي السلطة الاكثر مرونة وتوافقا على نظام انتخابي ديمقراطي.
هل ما هو متوقع الآن، اجراء الانتخابات النيابية على مرحلتين، الاولى على اساس القضاء، ومن يتأهل تصويتا واصواتا في قضائه يصعد الى الانتخابات اللاحقة على قاعدة المحافظة.
وهذه امور تتطلب وقتا دقيقا، ولا تنجلي خلال اسابيع محدودة، وهل المطلوب التمديد لمجلس النواب الراهن حتى آخر العام، وهو ما ظهر خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبيروت في الايام الاخيرة، وقبل عودته الى القمة العربية في عمان.
وهذا ما استخلص منه الرئيس بري من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للبنان، او المحادثات التي اجرتها المرشحة الفرنسية اليمينية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وكثافة الموفدين الاميركيين والاوروبيين للبث في الحقبة الاخيرة واللاحقة.
والسؤال الاساسي: ماذا كانت تريد السيدة الفرنسية لوبان من زيارتها للبنان، هل كانت طرح مواقف عابرة، ام تريد طرح وصاية جديدة على لبنان.