سفيران أوروبيان لا يتوقعان رئيساً قبل حزيران والوزير ادمون رزق يروي وقائع انتخابات جزين
الجمهورية في مراحلها الصعبة بين العُرْف والشغور
والفراغ في السلطة يزيد المخاوف على الكيان
المكان: قصر آل سلام في المصيطبة.
الزمان: الأسبوع الأخير من كانون الثاني ٢٠١٥.
الموضوع: رئاسة الجمهورية.
حضر سفير دولة أوروبية كبرى الى منزل رئيس مجلس الوزراء، ليقف منه على مصير رئاسة الجمهورية، وعما اذا كان لبنان يمكنه أن يستمر كدولة ذات سيادة، بعد مرور ثماني عشرة جلسة نيابية، من دون انتخاب رئيس الجمهورية العتيد.
ويقال إن تمام سلام سارع الى القول للسفير الأوروبي، إنه لا لبنان يمكن بقاؤه من دون رئيس، ولا حكم فيه، في غياب رئيس هو رمز السلطة وعنوانها.
الا ان سفيراً أوروبياً آخر، زار رئيس الوزراء في نهاية الأسبوع الأخير، وأبدى له مخاوفه من عملية حزب الله في شبعا، في ضوء الهواجس التي راودت كثيرين، بين المستقبل والحزب خصوصاً بعد ردود الفعل السلبية، على اعلان السيد حسن نصرالله، سقوط قواعد فك الاشتباك المتعارف عليه من خلال القرار الدولي رقم ١٧٠١، وخصوصاً ما أورده رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، تعقيباً على خطاب السيد حسن نصرالله الأخير.
ويرى سفير أوروبي آخر، أن لا انتخابات رئاسية في لبنان، قبل بضعة أشهر، بانتظار ما ستسفر عنه محادثات موسكو، حول المصالحة الداخلية في سوريا، واعلان الرئيس السوري بشار الأسد، أن أي رئيس مقبل في لبنان ينبغي له أن تكون سوريا متوافقة عليه مع الأسرة الدولية.
وفي رأي السفير أن لا رئيس في لبنان أيضاً، قبل نضوج الحوار السعودي – الايراني، والأميركي – الايراني، وهذه الأمور تستوجب مدة طويلة لا تقل عن ستة أشهر.
وفي معلومات دقيقة أن التعيينات الجديدة في الرياض، والتي رافقت تسلم العاهل السعودي الجديد عرشه، لا بد أن يكون لها دورها في الصراع الدائر في المنطقة والعالم، وانعكاساتها على الساحة اللبنانية والعربية.
بعد عودته من مؤتمر الطائف الذي انعقد في مدينة الطائف السعودية بادر النائب نصري المعلوف أصدقاءه بأنه خائف على مستقبل لبنان، مما تحوطه من تحديات… وخائف أكثر من أن يكون الرئيس الياس الهراوي آخر الرؤساء الموارنة لجمهورية لبنان.
وأردف: في الطائف صنعنا اتفاقاً، ووقع الاختيار على الرئيس رينه معوض ليقود الجمهورية الى السلام بعد حروب مضنية، لكنه اغتيل في ذكرى الاستقلال.
وتساءل نصري المعلوف: ماذا فعلنا في مدينة الطائف السعودية، غير أننا كرّسنا العُرْف السائد في دستور مكتوب؟ لقد اغتيل رئيس جمهورية الطائف، بعد أربع سنوات قال نصري المعلوف، إنني خائف على الرئاسة، وخائف أيضاً على التنوع السياسي، وخائف كذلك على الصيغة اللبنانية، لأنه اذا ما تداعت فان لبنان الذي نعرفه سيتغير… صدقوني انني خائف على دور الرئيس المسيحي في البلاد، لأننا لا نعرف الى أين ستقودنا الوصاية التي خطفت الطائف واستولت عليه، وهي أصلاً لم تكن تريده، لكن اجتياح الرئيس العراقي صدام حسين، ومشاركة الرئيس حافظ الاسد في الحرب التي طردت العراق من الكويت، جعلت العالم يعطيه كارت بلانش في تنفيذ الطائف، وفي تسيير الامور في لبنان.
وبعد رفع قرن على الطائف، يقول الرئيس حسين الحسيني الذي رأس جلسات النواب في مدينة الطائف، إنه قلق على مستقبل لبنان، لأن الطائف جرى تفيذه عشوائياً، وإن لا فائدة من البكاء على الأطلال، وأعني بذلك المفهوم اللبناني للاتفاق الذي أوقف الحرب، لتلتهم بعد صراع امتد سبعة عشر عاماً، لتبدأ حرب الفساد، وتطغى على البلاد شهية الطمع بكل ما تبقى فيه من خيرات.
عندما حضر الرئيس الحسيني قبل أسبوعين تقريباً الى الاشرفية، لحضور ندوة حول كتاب الاستاذ جوزف ابو خليل وجلس الى جانب الرئيس امين الجميل عقب الوزير السابق الاستاذ كريم بقرادوني بأن حراس الهيكل يشهدون له، وإن تباينت آراؤهم والمفاهيم، على أن حضورهم، كل من جانبه، يؤكد على ان استمرار لبنان الواحد، هو الخيار الاصعب، في هذه المرحلة.
في الاسبوع الفائت حدثت تطورات حددت طبيعة لبنان بين سلبيات الحاضر وايجابياته، من رد المقاومة في شبعا على العملية الاسرائيلية في القنيطرة، الى اضراب موظفي كازينو لبنان المصروفين، وبروز ملامح حل لها، الى عزم الاستاذ وليد جنبلاط على الاستقالة من نيابته في الشوف، ليمهد الطريق لنجله تيمور ويخلفه في المقعد الذي يشغله، ووقوع البلاد في موقف حرج يسبب الطعن في قرار التمديد الثاني للمجلس النيابي، نظراً لوجود مقعد شاغر في جزين، ناجم عن وفاة النائب ميشال الحلو، الى رغبة الزعيم الشمالي النائب سليمان فرنجيه في اخلاء مقعده لنجله طوني. ويقال ان الرئيس نبيه بري حريص على استمرار حليفه اللدود في المجلس النيابي وانه قد يقنعه بتجميد فكرته، اضافة الى التحديات الامنية التي تهدد معظم الدول العربية ولا سيما مصر والعراق وسوريا، بتعاظم خطر التكفيريين والمتعصبين، الأمر الذي يجعل المصير العربي على المحك.
وفي رأي الوزير رشيد درباس، الذي زار الرئيس نبيه بري، والزعيم الطرابلسي توفيق سلطان لمعالجات اساسية وأمنية وسياسية، ان لبنان يواجه تحديات صعبة، لكنه باق في مفاهيمه العامة، وعلى الأسس التي جرى على أساسها تأليف حكومة الرئيس تمام سلام.
ويعتقد وزير الشؤون الاجتماعية أنه لو صفت النيات فإن لبنان قد يسبق المنطقة والعالم، في الوصول الى انتخابات رئاسة الجمهورية قريباً.
وهذا منافٍ لما يزعمه سياسيون، بأن الانتخابات قد لا تجرى قبل ثلاثة أشهر أو بعد عام من الآن.
تصحيح وتصويب
ويقول مرجع سياسي إن الحديث عن مناقشة كتاب عمري عمر لبنان دفع العديد من الكتاب الى التعقيب على ما ورد في أحداث الاسبوع السابقة، من معلومات توضيحاً وتصويباً، لما لمؤلف الكتاب من باع ومكانة في حزب الكتائب اللبنانية، ذلك ان الاستاذ جوزف ابو خليل صاحب مقال مقروء، وله تاريخ كبير في الكتابة السياسية.
في العام ١٩٧٣، انعقد في القاهرة مؤتمر لوزراء الخارجية العرب، في مقر جامعة الدول العربية، وتمثل لبنان في المؤتمر برئيس الحكومة يومئذٍ تقي الدين الصلح ووزير الخارجية والمغتربين فؤاد نفاع.
واصطحب الوفد الرسمي معه أبرز الصحافيين اللبنانيين وكان في مقدمتهم الاستاذ جوزف ابو خليل، وحرص الرئيس الصلح على الاقامة مع الوفد المرافق في فندق شيبرد لا في الشيراتون ولا في الهيلتون، لأنه كان ينزل فيه، عندما كان يزور العاصمة المصرية.
كان رئيس الوزراء ووزير الخارجية يذهبان كل صباح الى مقر جامعة الدول العربية ومعهما السفير اللبناني في القاهرة محمد صبرا.
ولدى توزيع الصحف المصرية على غرف الفندق، لفت الانظار وجود خبر مقتضب في الصفحة الأولى من صحيفة الاهرام القاهرية عن خطف الصحافي الكبير ميشال ابو جوده. وبمساع قام بها الوفد اللبناني، جرى الاتصال بالعاصمة اللبنانية للوقوف على حقيقة الخبر، الي أن رن الهاتف بعد دقائق، وكان القصر الجمهوري على الخط المقابل، ووضع الرئيس سليمان فرنجيه رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بما توافر لديه من معلومات عن الحادث.
وطلب تقي بك موعداً للاجتماع بالرئيس أنور السادات، فقيل له إنه في الاسكندرية. الا ان الوزير محمود رياض اتصل برئيس الوزراء اللبناني، وأبلغه بأن الرئيس المصري سيعود الى القاهرة، لاستقباله خلال ٤٨ ساعة.
كانت اجتماعات جامعة الدول العربية، تشغل اهتمامات الوفد اللبناني، الا ان خطف صحافي كبير في بيروت صار هو الحدث والخبر، وخطف الاهتمامات على كل الصعد المحلية والعربية.
ويبدو أن الوزير السابق ادمون رزق ما ان قرأ مقال أحداث الأسبوع يوم الاثنين الفائت، حتى بادر الى كتابة رسالة شيّقة، يضع فيها النقاط على الحروف، وتنطوي على تصحيح المعلومات الواردة فيها وتصويبها، لأن ما كتب باقتضاب يحجب بعض المعلومات بالتفصيل.
وجاء في رسالة الوزير والنائب السابق الوقائع الآتية:
الى كاتب المقال: تحية وتقدير،
في متابعتي لمقالاتك الشائقة، المتميّزة بالتنوّع وسعة الاطلاع، لفتني كلام على ندوة يوم الخميس ٢٢ كانون الثاني، في أوتيل لو غبريال، حول كتاب الأستاذ جوزف أبو خليل، التي شاركت فيها. وقد وردت بعض المعلومات التي أتوقف عندها، توخّياً لمزيد من الدقّة التي تحرصون عليها:
١ – لجهة مقال من حصاد الأيام، في جريدة العمل، المتوقفة منذ سنوات، فان الذين تعاقبوا على كتابته، هم المرحومون: الياس ربابي حوالى ست سنوات، الشهيد فؤاد حداد بضع سنوات، الياس كرم بضعة أشهر ثم الداعي، ادمون رزق ثماني سنوات، رشاد سلامه حوالى أربع سنوات ثم جوزف أبو خليل حتى توقف الجريدة عن الصدور. وهذا يتفق مع ما أورده الأستاذ أبو خليل في كتابه.
٢ – لجهة انتخابات جزين، فان ادمون رزق قد فاز للمرة الأولى في دورة ١٩٦٨، مخترقاً لائحة المرحومين: النائب مارون بك كنعان، والنائب والوزير الأستاذ جان عزيز، والنائب والوزير بيار فرعون. وكانت لائحتنا تضم المرحومين النائب والوزير نقولا سالم والسفير فيكتور خوري، اللذين لم يحالفهما الحظ يومذاك.
أما التحالف مع المرحومين النائب الدكتور فريد سرحال والنائب والوزير نديم سالم فقد تمّ في دورة ١٩٧٢، حيث فازت لائحتنا بكاملها، لكن ذلك لم يمنع قيام تعاون بين المتنافسين، وتوحيد الموقف الجزيني عزيز – سرحال – سالم وأنا في مواجهة الأوضاع الأمنية، بعد سقوط الدولة وتهجير ساحل المنطقة.
هذا بالنسبة الى ما يتعلق بي شخصيا، أما بخصوص ما ورد حول معاناة حزب الكتائب، مدى سنوات طويلة، فذلك يستدعي المزيد من المراجعة والتدقيق، ولطالما دعوت الى وقفة تأمّل موضوعية، بهدف المصالحة والتصحيح، مما يحتّم المصارحة والنقد الذاتي، ليس بين رفاق الحزب الواحد فقط، بل بين أبناء الوطن جميعاً، يقيناً أن الحقيقة وحدها تصنع العظمة، وهذا ما شدّدت عليه في ندوة لو غبريال.
يروي جوزف ابو خليل قصة تعرفه على رئيس الكتائب، وهو من المعجبين به، والكاتب كان قريباً من صيدلي قريب منه، وأصبح في جوار صيدلي آخر معجب به.
ويقول ابو خليل، ان الشيخ بيار الجميل كان دوره التصدي للغوغائية الطائفية والمذهبية، فكان كلما بلغه ان ثمة تظاهرة قد تحركت من البسطا، في الاتجاه المعهود، انتفض، وقفز الى مكتبه في الصيدلية في الاتجاه المعاكس، فيلحق به مرافقوه أو من يصدف وجوده او مروره في ساحة الشهداء من الشبان ليشكلوا معاً رادعاً يرغم المتظاهرين على التراجع. ويتابع: حدث مرة ان عرف الشيخ بيار بأن التظاهرة وصلت الى حي السراسقة، فاذا بالشيخ بيار ينتفض في وجه المتظاهرين، وكان في طليعتهم مجموعة من الاكراد وقد فوجئوا بهذا القادم نحوهم بخطوات سريعة فيها ما يدل على العزم ويشير الى انه ليس شخصا عاديا، ولا هو من المارة أو المتفرجين، انه يهاجم ويضرب بقبضته شمالآً ويميناً.
وقيل ان التظاهرة الآتية من البسطا، هي للاحتجاج على قرار لرئيس الدولة الدكتور ايوب تابت، يعدّل في عدد اعضاء مجلس النواب على نحو يزيد من حصة المسيحيين، بعد ان يعطى المهاجرين حق الاقتراع في الانتخابات النيابية. وقد احدث هذا القرار ضجة، وردود فعل لم تنته الا عندما تدخلت مصر في شخص رئيس حكومتها مصطفى النحاس باشا، يوم كانت مصر هي المرجعية للمسلمين في لبنان وكان ملكها فاروق الزعيم العربي الذي يتمتع بالقوة والقرار السياسي.
وكان لتدخل النحاس باشا لدى الجنرال كاترو الأثر البالغ في تسوية الخلاف، حول المقاعد النيابية، وحصة المسلمين منها. لقد عيّن الدكتور أيوب ثابت خلفاً للرئيس الفرد نقاش، وجاء في قرار تعيينه ان عليه اجراء انتخابات نيابية عامة ضمن مهلة ثلاثة أشهر، ينبثق عنها مجلس نيابي، تكون باكورة أعماله انتخاب رئيس للجمهورية. حاول أيوب ثابت تعزيز الحضور المسيحي في المجلس النيابي فقامت عليه القيامة ولم تقعد، إلاّ بعدما استقال ولم يمض، بعد، على رئاسته أكثر من خمسة أشهر، فعيّن مكانه بترو طراد الذي سبق ان كان رئيسا لمجلس النواب، بعدما استقرّ الرأي على أن يكون عدد المقاعد النيابية ٥٥ مقعداً ٣٠ منهم للمسيحيين و٢٥ للمسلمين.
وبدأت الاستعدادات للانتخابات النيابية، وبدأت معها تلك المعركة الحادة والشرسة بين الخصمين اللدودين بشاره الخوري واميل اده حول رئاسة الجمهورية، ووراءها الصراع الدائر بين الفرنسيين والبريطانيين وقد بلغ أشدّه، ناهيك بالخلاف القائم بين اللبنانيين، وبالتحديد بين المسيحيين والمسلمين، حول الكيان والهوية والعلاقة مع الشرق والغرب، بما فيها، طبعاً، العلاقة المستقبلية مع فرنسا.
ويتابع جوزف أبو خليل: وكنت أنا، ولو فتياً، ممن يحملون في نفوسهم ومشاعرهم وثقافتهم وتقاليدهم أشياء وأشياء من الصراعات الثلاثة، وقد وجدت نفسي، عفوياً وتلقائياً، ولاعتبارات محلية انتخابية، في المعسكر الذي يتزعمه الرئيس اميل اده، ان لم يكن كناخب، فعلى الأقل كناشط سياسي، فالعائلة والأهل والأقارب يصوّتون، عادة وفي صورة عامة، لمرشحي الكتلة الوطنية، كتلة الرئيس اده، بصرف النظر عما يصنّف في باب الخيارات الأساسية أو الوطنية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم تكن هناك خلافات فكرية حقيقية بين الحزبيتين التقليديتين، ولا كانت الكتائب، بعد، قد انخرطت في لعبة السلطة.
وجلّ ما في الأمر ان هناك سباقاً الى الحكم والسلطة بين قطبين من أقطاب السياسة الداخلية والمحلية، بشاره الخوري واميل اده، ولكل منهما أنصاره ومؤيدوه وقد استحالت المنافسة بينهما خصومة حادّة انعكست على الناس عموماً وعلى اصحاب الطموح السياسي من مرشحين للنيابة أو للوزارة. وكان احتدام الصراع بينهما من جملة الأسباب التي أنتجت الكتائب اللبنانية، منظمة شبابية فوق لعبة السلطة ومحاولة لتخطي هذا الانقسام، وخصوصا على مستوى الشباب. وفي هذا الاطار كان الحرص على أن تكون قيادة المنظمة الناشئة قيادة جماعية ائتلافية فيها كتلويون مثل جورج نقاش وفيها دستوريون مثل شارل حلو وفيها مستقلون أيضا مثل بيار الجميّل. ولكن ما عتّم ان اكتشف المؤسسون استحالة التأليف بين هذه التناقضات. فتمّ التوافق على استبدال القيادة الجماعية برئاسة شخص واحد يتوافر في شخصه شرط الاستقلال التام عن الحزبيتين التقليديتين وكان الشيخ بيار الجميّل هذا الشخص أو الرئيس الأعلى المتمتع بكل صلاحيات القيادة الواحدة.
ويتابع جوزف أبو خليل: وفي تقديري ان ما كان بين بشاره الخوري واميل اده لا يتعدّى ما يحدث، عادة، عندما يتحوّل الطموح السياسي الشخصي الى مشروع سياسي يسند هذا الطموح ويبرّره، أو عندما يكون الطموح الشخصي هو الدافع لنشوء المشروع السياسي أو لابتكاره. وهي حال معروفة في كل مجتمع عندما يكون الخلاف أو الصراع بين شخصين ينتميان الى ذات البيئة أو ذات المدرسة الفكرية أو ذات العائلة. ولا أنسى ما سمعته، مرّة، من الشيخ بيار الجميّل وهو يصف ما بين بشاره الخوري واميل اده من خصومة قال: كلاهما من عظماء لبنان، سياسيا ووطنيا، لكنهما صغيران جداً في تعامل الواحد مع الآخر. ولعل هذا ما أدى بهما الى ذلك الاختلاف الكبير في الموقف من تحوّلات العام ١٩٤٣. قبل ذلك الاستحقاق كان الانحياز الى أحدهما لا يتجاوز حدود ما كانا عليه من تزاحم سياسي وخصومة شخصية.
ويبدو ان المعركة بدأت بين مشروعين سياسيين أو بين شخصين كبيرين هما اميل اده وبشاره الخوري.
وبدأت حرب الشائعات والاتهامات تتناول هذه المرة موقف كل من القطبين اللبنانيين، مثل الشائعة التي تقول ان الشيخ بشاره تقاضى أموالاً من رئيس حكومة مصر مصطفى النحاس باشا، مقابل التعهّد بالسير بلبنان عربياً. لقد امتلأت شوارع بيروت بمناشير تتضمن نصّ اتفاق أو ميثاق، قيل ان بشاره الخوري كان أحد الموقّعين عليه، ويرمي الى اقامة وحدة اقتصادية بين مصر وسوريا والعراق وشرق الأردن ولبنان أيضا، ويكون استقلال كل هذه البلدان استقلالاً داخلياً فقط.
ويقول جوزف أبو خليل انه كان ممن شاركوا في الترويج لذلك المنشور وتوزيعه في بلدته بيت الدين.
والملفت هنا أن الموقعين على الميثاق المزعوم هم أصحاب صفة رسمية في بلدانهم: مصطفى النحاس باشا مصر، جميل مردم سوريا، نوري السعيد العراق سمير الرفاعي الأردن. أما توقيع الشيخ بشاره بصفته رئيساً لحزب من الأحزاب اللبنانية هي الكتلة الدستورية، وتأكيداً على صحة ما هو مكتوب قيل أن التوقيع حصل في مصر وفي تمام الساعة ١٨ من يوم الرابع من نيسان ١٩٤٢. ولم يكن قليلاً ابداً، عهد ذاك، أن ينسب الى الشيخ بشاره الخوري هذا القدر من التساهل في مسألة الكيان اللبناني وسيادته واستقلاله. فالوحدة الاقتصادية هي في نظر المسيحيين مدرجة للوحدة السياسية. أما أن يبدأ تنفيذ هذه الوحدة فور التوقيع على الميثاق المزعوم فكذبة مضاعفة باعتبار ان الشيخ بشاره لم يكن، بعد، يحمل أي صفة للاقدام على مثل هذه الخطوة. بيد أن الشائعة المكتوبة هذه المرة فعلت فعلها رغم ركاكتها. وخصوصا بعدما أضيفت اليها شائعة أخرى تقول ان اجتماعا عقدته الكتلة الدستورية في حضور أركانها وتقرّر فيها تأييد فكرة الوحدة الاقتصادية العربية الشاملة، تماماً كما نصّ عليه الميثاق المشار اليه.
سارعت الكتلة الدستورية الى تكذيب هذه الشائعة وتلك، والى التأكيد على تمسّكها باستقلال لبنان التام وسيادته الكاملة بحدوده الحاضرة. ومع ذلك ظلّت حملة التشكيك تفعل فعلها في النفوس الأمر الذي حمل البطريرك الماروني أنطون عريضه على مفاتحة الشيخ بشاره في الأمر طالباً منه أن يكذّبها، فاكتفى بكتاب بهذا المعنى موجّه الى البطريرك شرط الاّ يعلن ولا يذاع.
في هذه الأجواء كانت الانتخابات العامة في صيف ١٩٤٣ وقد لعب المال فيها دوراً كبيراً، اضافة الى التدخل البريطاني والفرنسي ولو على درجات متفاوتة. وكانت على دورتين اثنتين لم يفز في الأولى منهما من قائمة الشيخ بشاره إلاّ كميل شمعون مقابل خمسة فائزين على القائمة المنافسة. والطريف أن لا الشيخ بشاره ولا اميل اده استطاع الفوز في الدورة الأولى، الأمر الذي اقتضى خوضهما الدورة الثانية البالوتاج بعد أسبوع كي يفوزا مع سائر الفائزين.
أزمة السجون
ويبدو ان موضوع السجون، يشغل بال السادة النواب، لأنه بعد اقتحام القوى الأمنية لسجن روميه برز اهتمام أساسي لجعل السجون فرصة لمعالجة القضايا الاجتماعية.
ويقول النائب ميشال موسى على هذا الصعيد: انه بعد العملية في سجن روميه والتي لاقت تقديرا كبيرا لهذا القرار الكبير من قبل وزارة الداخلية والتي بذلت جهودا كبيرة مشكورة عليه، وان القوى الامنية التي ساهمت بانجاح هذه العملية الامنية وشاركت فيها، فيفترض ان تريح هذه العملية الوضع الامني في السجون وان تجعل جميع السجناء متساوون في الحقوق والواجبات وتحت سقف القانون والعدالة.
اضاف: اما الشق الانساني الاخر المتعلق بالسجون فهو موضوع شكوى متكررة ونبهنا منها مرارا وقد استمعنا اليوم الى واقع الحال في هذه السجون من الناس المهتمين بشأن السجون سواء من قبل الامنيين المعنيين او من قبل الوزارات المعنية او من قبل المؤسسات الانسانية والمدنية والجمعيات الاهلية التي توفر الخدمات الكبيرة في موضوع السجون، وبعد نقاش مستفيض حول كل هذه النقاط تكونت لدينا افكار واقتراحات واسئلة كثيرة حملناها لممثل وزارة الداخلية لان وزير الداخلية نهاد المشنوق، للاسف اعتذر عن عدم الحضور بسبب التزامه بجلسة مجلس الوزراء، لكن رفعنا له اسئلة حول هذا الامر وسنتابعها مع وزارة الداخلية.
ويمكن اخلاء بعض المباني التي تشغلها مؤسسات أمنية، على ان تبقى أماكن في العقار نفسه على مقربة من السجن في عقارات تعود ملكيتها الى الدولة، وبذلك تخفض كثيراً من الاكتظاظ.