تستمر نصائح «الدول الصديقة» باتجاه دفع السياسيين اللبنانيين نحو انتخاب سريع لرئيس الجمهورية، علماً أن المنطقة مقبلة على مرحلة دقيقة من شدّ الحبال إلى أن تظهر بوادر نهاية الحرب في سوريا. ولبنان، كما هو اليوم، في ظل فراغ رئاسي وتعطيل مؤسساتي غير قادر على مواجهة المرحلة وحماية الداخل من رياح العواصف العاتية من الخارج، وبالتالي يكون مفتوحاً على كل الاحتمالات المتسللة من حدوده المتفلتة شمالاً أو المتربص بها جنوباً.
إلا أن العناد السياسي عامة والمسيحي تحديداً يرمي هذه النصائح وراءه، حيث عادت منظومة الشخصنة والتفرّد حتى بين الحلفاء في الفريق الواحد.. فلم يشفع للنائب فرنجية أنه حليف استراتيجي وثابت في 8 آذار، ولا كونه أحد المرشحين المسيحيين الأربعة الأقوياء الذين اعترفت بهم بكركي، وتوافقت مع القيادات المسيحية على دعم وصول أي منهم إلى سدّة الرئاسة، كونه يستند إلى قاعدة تمثيلية مسيحية ثابتة، بل اصطدم بالعرقلة الأولى من حليفه الأول العماد عون، تلاه الرفض المتوقع من الأخصام التقليديين، أي «الكتائب» و«القوات».
والمفارقة، أن لقاء الرابية أمس الأوّل، بين عون وفرنجية، تركز على «حماية العلاقة ضمن الفريق الواحد وتثبيت المكتسبات التي تحققت مؤخراً»، متناسياً حماية الجمهورية من السقوط في الفشل والفوضى، غير مستعد لتقديم أية تنازلات لملء الشغور الرئاسي، إذا لم يكن بانتخاب عون تحديداً، ضارباً عرض الحائط المناشدات الدولية لضرورة التحرّك السريع وتلقف المبادرة المحلية – الدولية، بترشيح النائب فرنجية، كجزء من تسوية بين فريقي 14 و8 آذار، كونه أكثر قبولاً عند الفريق الآخر من العماد عون، ووضع حد للفراغ المتمادي في المؤسسات وإعادة عجلة الإنتاج إلى مجلسي النواب والوزراء وضخ الدم في عروق الاقتصاد المتجمّد منذ فترة.
إن رفض العماد عون لهذه المبادرة إنما يوجّه ضربة قاسية لبكركي، التي حافظت في أحلك الأوقات، على مقامها الجامع للمسيحيين كونها المرجع الأوّل في توحيد القرار المسيحي وحسمه!
فكيف لِمَن يحمل صليب المسيحيين، ويرفع راية الحفاظ على حقوقهم عند كل مناسبة، أن يخرج من مظلة بكركي ويُعطل الاستحقاق المسيحي الأوّل وينكث بالتزاماته التي توافق عليها مع الأقطاب الموارنة؟
وبالتالي، هل يكون الرئيس أمين الجميّل المرشح الثاني الأوفر حظاً، بما أن القطبين عون – جعجع لم يحصلا على الإجماع المطلوب، لا داخلياً ولا خارجياً، على الرغم من مرور عام ونصف العام، من دون إحداث أي تغيير في المشهد السياسي العقيم ولا بالمواقف المتحجرة؟
وإن كان الخرق الإيجابي الذي يعتبره فريق 8 آذار انتصاراً سياسياً يُكرّس الرئيس من فريقهم، إلا أن هذا الخرق نفسه يُكرّس مبدأ الرئيس الأكثر قبولاً، ومن يحظى على أكبر إجماع وليس الأكثر تفرداً والأقل إجماعاً!
إن الخروج من مظلة بكركي، من قبل العماد عون، مع كل التحالفات المحلية والإقليمية التي يحمل، إنما تضرب وحدة القرار المسيحي وتضعفه وتأخذه إلى أماكن، لم ولن ينتمي إليها بعض النظر عن المصالح الشخصية الضيّقة لفريق دون الآخر… وإذا كان الكرسي الرئاسي بات أسير المواقف الرنانة والعاجزة في آن، فلا بد من خطوات عملية تحرره وتعيده إلى اللعبة الديمقراطية السليمة، مع كل ما تحمل مِن نسب ربح وخسارة!