في جمهورية يكاد كل شيء فيها أن يكون غير مطابق، كيف يجرؤ وزير شاب أن يرمي في مستنقع الفساد حجر المطابق وغير المطابق؟
في جمهورية يكاد كل شيء فيها أن يكون فاسداً، كيف يجرؤ وزير شاب أن يقول إنّه سيحارب الفساد حتى آخر رمق؟
في جمهورية تحكمها وتتحكَّم فيها المافيات بكل أصنافها، ولا سيما مافيات الدواء، كيف يجرؤ وزير شاب أن يضع حدًّا لهذه المافيات بفرض الوصفة الطبية الموحَّدة؟
في جمهورية لا يعرف الإنسان فيها ماذا يأكل؟
وماذا يشرب؟
وكل ما يعرفه كيف يموت. كيف يجرؤ وزير شاب أن يضع يده على شركات المياه غير المطابقة والملاحم غير المطابقة ومستودعات اللحم غير المطابقة؟
في جمهورية يدعو كل شيء فيها إلى اليأس، ينبري وزيرٌ شاب ليُعلِن بكل ثقة:
لا تيأسوا، فما هو غير مطابق سيصبح مطابقاً أما غير المطابِقين فهُم إلى زوال لا العكس.
إنه وائل أبو فاعور الذي لا يحمل سوى ناقوس الخطر والقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، والإصرار والتصميم على تنفيذ الصح ورفض الغلط، أياً كان الثمن.
لنتصوّر لو أنَّ أداء كل الحكومة مشابه لأداء الوزير أبو فاعور، ففي أي جنة نكون؟
وفي أي جمهورية مطابقة نكون؟
لكن للأسف فإنَّ أصحاب الضمير أصبحوا من القلائل، فيما الأغلبية تتباهى بقلة الضمير ولا مشكلة لديها لأن ليس هناك من محاسبة ولا مَن يحاسبون.
وائل أبو فاعور يحارب جمهورية النفوق في معارك ضارية لا يتراجع فيها ولا يتهاون:
وضع يده على ملف آلاف أطنان الدجاج المجلّد المستورد، والذي كان صاحبه سيعمد إلى وضع الدجاج المجلّد في بركة مياه لإذابة الجليد، ثم بيع هذا الدجاج على أنه طازج.
وضع يده على ملف آلاف أطنان السمك النافق الذي كانت ستُصدّر أو ستُباع في الأسواق.
وضع يده على المسالخ غير المطابقة.
وضع يده على إهراءات القمح.
يكاد أن يحارب الجميع دون هوادة، ويكاد أن يكون وحيداً إلا من دعم الرأي العام.
الملفات على طاولة الوزير أبو فاعور، لا تشبه الملفات على طاولات وزراء آخرين، ومن هذه الملفات:
نفوق أكثر من خمسة أطنان من الأسماك في القرعون الأسبوع الماضي.
مأساة صحية وبيئية في بحيرة القرعون، وهي تحتاج إلى أكثر من ثلاثة أعوام لتعود الروح إليها، شرط إيقاف كل الأعمال المضرة بالبيئة والتي توجَّه إليها.
فالبحيرة مع موجة الحر الأخيرة، وصلت حرارة المياه فيها إلى 30 درجة مئوية، فتفشت السموم فيها.
وبالنسبة للهواء، تنبعث من البحيرة ومن مجرى الليطاني روائح كريهة جداً تتسبب بحساسية وأمراض صدرية وأوجاع في الرأس وشعور كبير بالإنحطاط، إذ إنها تضرب الجهاز العصبي، ونحو ستمئة مؤسسة صناعية وزراعية ودباغات، بالإضافة إلى مجارير قرى حوض الليطاني، كلها تصب في الليطاني… وعليه فماذا يبقى مطابقاً في البلد؟
مطابق. غير مطابق. الوصفة الطبية الموحّدة. سلامة الغذاء. مصطلحاتٌ أصبحت ملازمة للثقافة اللبنانية. إنها تؤشِّر لِما كان قبل الوزير أبو فاعور ولِما بعده.