Site icon IMLebanon

جمهورية الأهواء السياسية!

بعد مرور ما يزيد عن عامين على الشغور الرئاسي وما تلاه من تعطيل لمؤسسات الدولة ودورة الاقتصاد الوطني السليمة، بدأت تتجلّى بوادر انفراجات باتجاه توافق فجائي حول العماد عون، الخصم اللدود لفريق 14 آذار والمرشّح الأكثر جدلاً على الساحة اللبنانية. والمفارقة اليوم، أن مَنْ عارض وصوله إلى بعبدا طوال هذه المدّة هو من يُحاول تسويقه، ومَنْ ادّعى التحالف معه يقف مكتوف الأيدي دون تحريك ساكن لتدوير الزوايا ضمن الفريق الواحد.

فبغضّ النظر عن الدوافع التي أقنعت الرئيس الحريري بالسير في خيار العماد عون، إلّا أنه قرار صعب ويبدو أنه لا يزال بحاجة للكثير من التحضير، سواء على الساحة المحلية أو الدولية. فداخلياً، الخسائر في صفوف جمهوره كبيرة وعلى صعيد حلفائه أيضاً، إذ أن خصوصية الشارع السنّي وتشعبات تحالفات المستقبل وأُسسها المبنيّة على قضية لطالما كانت جامعة وهي سيادة لبنان وحُلم 14 آذار بالحرية والإستقلال الحقيقي وليس الفلكلوري الذي نعيشه. إذاً هذه الخصوصية تجعل الانعطاف بالخيارات الإستراتيجية صعبة ومعقّدة، على عكس واقع النائب وليد جنبلاط على سبيل المثال، صاحب الانعطافات العديدة أو الإلتفاتات الدراماتيكية دون أن يهتز شارعه قيد أُنملة. ولكن الشارع السنّي خصوصاً والمناهض لسياسة التيار الوطني، الذي لطالما عبّر عن عدائه للشريك السنّي في محطات عديدة ومناسبات مختلفة، لا يزال بحاجة لضمانات من العماد عون في حال وصوله إلى سدّة الرئاسة حول قدرته على ممارسة دور الرئيس بموضوعية وبشكل جامع بعيداً عن المزاجية والإستنسابية، دون ذكر المحسوبيات بما أنه على ما يبدو غير قادر على الخروج منها. وفي حال تمّ التوافق وكان الرئيس الحريري يترأس مجلس الوزراء، ماذا يضمن ألّا تتكرّر تجربة الرئيس الشهيد مع الرئيس لحود التي أدّت إلى خراب البلد، أو حتى ماذا يضمن ألّا يقطع العماد عون «وان واي تيكيت» لشريكه في الحكم. إن هذا الإمتحان الصعب لكل الأفرقاء، إنما يحمّل كلٌ مسؤولية خياراته وسياساته السابقة والقادمة، فكما على الرئيس الحريري تحمّل مسؤولية قراره في حال دعم العماد عون، أيضاً على العماد عون تحمّل تبعات قراراته ومواقفه السابقة من شركائه في الوطن أولاً وتجاه الحلفاء الاستراتيجيين والإقليميين للبنان ثانياً، وتقديم ضمانات على أن العماد عون في بعبدا أكثر حكمة من العماد عون في الرابية، خاصة في ظل غياب الدعم الدولي له من أقرب الأقرباء لحلفائه، كالفتور الروسي والتردّد الإيراني، مما يُثبت أن المجتمع الدولي غير منشغل حالياً بالرئاسة اللبنانية، فالأولوية في مكان آخر يبدأ بالترقّب للانتخابات الأميركية وينتهي بالحرب السورية وصراع المحاور في الشرق الأوسط. إن معوقات وصول العماد عون إلى بعبدا عديدة، بعضها داخلي وأغلبها دولي، وبالتالي هو اليوم يتحمّل مسؤولية مواقف ربح منها على النطاق الضيّق ولكن خسائرها الاستراتيجية كانت أكبر، وهذا مؤشر سلبي لمرشح رئاسي إذ لا يمكن أن يُغامر بمصالح الوطن وسياساته وتحالفاته بسبب مزاجية معيّنة أو صفقة هنا أو هناك.

إن لبنان وحده يدفع ثمن تمترس كل فريق خلف مواقفه، والاقتصاد الوطني أُنهك والمواطن استُنفدت طاقاته بسبب تعنّت وشدّ حبال، أغلبها كان بانتظار توافق على صفقات معيّنة وبعضها بقي أسير المواقف المعلنة، حتى جاء الفرج ومن طرف واحد كما جرت العادة، وعلى حساب فريق دون غيره تماماً كما جرى بالسابق، على أمل أن يكون هذا التراجع وهذه الحفلة لإعادة الحسابات قادرة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أزمات إجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، وإلّا تكون التنازلات والتضحيات منذ ما يزيد عن عشرة أعوام قد ذهبت سدى، وذهب معها آخر الآمال بقدرة الفريق السياسي الحالي على إدارة أزماته بحكمة والخروج منها بأقل أضرار ممكنة، ويذهب معها بالتالي إيمان، من بقي عنده إيمان، بلبنان الوطن النهائي لنا ولأجيال قادمة، ترعرعت على مبادئ الصفقات والمحسوبيات والفساد المستشري وغياب الدولة.

إنها فترة عصيبة في تاريخ لبنان والمنطقة، ولا بدّ أن تنتهي قريباً، إذا سمحت الظروف الإقليمية والحكمة الداخلية!