IMLebanon

جمهورية سدوم وعمورة

 

سلكت عودة اللبنانيين الى الوطن طريقها الأول من أمس مع وصول الدفعة  الأولى إلى مطار رفيق  الحريري الدولي وسط إجراءات وقائية وأمنية وإعلامية مشهودة. الحضور الحكومي المواكب تجاوز الاستعراض ليتحوّل الى منصّة لتعويم الحكومة ورئيسها بعد المواجهة التي حصلت مع الرئيس نبيه بري وحُسمت بتطويع الحكومة، ليس فقط بدليل مسارعة الحكومة للمباشرة بالعودة بل بتحويل سلسلة فنادق Lancaster لصاحبها السيد وسام عاشور لاستضافة العائدين رغم ما يرتبط باسمه من فصول الاعتداء على الأملاك البحرية. غياب وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي عن الاستعراض الحكومي عبّر عن عدم تمكّن التيار الوطني الحر من ابتلاع نتائج هذه المواجهة، فيما عبّر تعملق ميكروفون محطة المنار خلال الإيجاز المسائي لوزير الصحة حمد حسن عن استعراض قوة أراد الوزير تسجيله  لحزب الله وليس للحكومة.

 

رهان رئيس الحكومة، المستند الى ديمومة التفاهم بين باسيل وحزب الله، لإطالة عمر حكومته حتى نهاية العهد والبقاء في السرايا خلال الولاية الجديدة لجبران باسيل، يعتمد على التماهي مع باسيل حتى النهاية. تعبّر الخلافات على مسألة التعيينات المالية عن شراسة المنازلة التي هي أحد أوجه معركة التوريث الرئاسي، فالعناوين التي أطلقها رئيس الحكومة من التماس الكفاءة وعدم الموافقة على المحاصصة غير كافية لسحب الموضوع من جدول الأعمال لمدة طويلة أمام طموحات تعديل قانون النقد والتسليف لإلغاء بعض المواقع كطريقة للالتفاف على التعيينات. هذا ما يمكن قراءته أيضاً في موقف دياب من التعيينات القضائية بالرغم من  إصرار المجلس الأعلى للقضاء عليها، كذلك من السكوت عن الملفات المالية المرتبطة بوزارة الطاقة وعدم إحالة صفقة الفيول المشبوهة على التفتيش بالرغم من تسببها بتوقف معمليّ الجيّة والذوق والباخرتين التركيتين عن العمل وتدني الإنتاج حتى 10%. هذه الصفقة التي أجرتها شركة ZR Energy التي يملكها ريمون رحمة والتي أرست عليها الوزيرة بستاني صفقة البنزين الأخيرة تحت عنوان «دخول الدولة لسوق الاستيراد منعاً للاحتكار».

 

ويبرز الموقف الفاقع للحكومة بالاستتباع بالموافقة على طلب قرض من البنك الدولي بقيمة 650 مليون دولار لإنشاء السدّ والخزان في مرج بسري بالرغم من كلّ الدراسات البيئية والجيولوجية والمائية التي تظهر عدم جدوى الاستمرار بالمشروع بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب.

 

تتحوّل المسافة الزمنية الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة الى صراع مفتوح بين جبران باسيل وسليمان فرنجية لن يكون أمين عام حزب الله قادراً على احتوائه وإدارته. فالشراهة المارونية التي تشهد عليها محطات تاريخية كثيرة منذ تأسيس الكيان اللبناني دفعت بالمتصارعين الى خيارات مجنونة استحضرت الخارج أكثر من مرة ودفع لبنان ثمنها غالياً. الصراع الماروني على الرئاسة الأولى، الذي ضُبط إيقاعه مع انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، بعد دخول التوافق العربي الأميركي مع الرئيس جمال عبد الناصر على خط اختيار الرؤساء، لتهدأ نكهته الطائفية لمصلحة الانسياب في سياق إقليمي أوسع، وليستمر حتى انتخاب الرئيس ميشال سليمان بما في ذلك إزالة التمرد في العام 1990. هذا الصراع يعود هذه المرة في ظلّ انعدام ثقة المجتمع الدولي بلبنان وغياب أي توازن إقليمي يبنى عليه ليستنهض العناصر البدائية للصراع القائمة على  العصبية العائلية والمناطقية والشخصية.

 

لقد منحت طقوس فيروس كورونا وتعقيداته بعضاً من الوقت للحكومة وربما منحتها مبرراً لوجودها، ولكن ذلك لم يوقف تراكم المعاناة التي يرزح تحتها اللبنانيون. الكل يقف على خط الانطلاق وينتظر انحسار الوباء، والحكومة بلا شك قادمة على مأزق كبير في ظلّ انحسار إدارة الشأن العام  بتقاسم المواقع والمال العام. يتساءل العديد من حكومات العالم ماذا بعد كورونا ولا يجد الجواب، ولكننا  في لبنان نعلم حق اليقين إننا قادمون على جمهورية  «سدوم وعمورة» وإنّ أحداً منا لن ينظر الى الوراء بعد ذلك.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات